الجمعة، 22 ديسمبر 2017

خيارات متعددة

تبدأ المعضلة بدربين مقسمين يتشعب كل منهما لمسالك أصغر
المشكلة ليست في أيهما تسلك، إذ انك ترغب بالحصول على كليهما لو قدر لك ذلك.
فأنت تقنع نفسك أن حصولك على كافة هذه الخيارات هو أمر ممكن، بل وعلى العكس ممتع ومثير وطريق مضمون نحو المستقبل المشرق، خلال تلك الدقائق الوردية ستجد نفسك ارتديت حلة سوبر مان وحلت دون أن يكون لقدميك مكان تطأه على الأرض، أجل فهل هنالك ما هو اروع من ترك نفسك عائمة هناك مانعا إياها من تشرب الحقيقة.
 الحقيقة التي ستصفعك بعنف ما أن يتخلص عقلك من تلك النشوة الوهمية، أن تقف لتنظر إلى خياراتك بجدية بعيدا عن الأوهام، فأولا خياراتك تلك ما تزال طائرا محلقا يحوم في البعيد دون أن تنجح حتى في لمسه، أجل انت تبني دربيك المتشعبين على خيالات وأحلام، أليس هذا أسوء ما يمكن أن تبدأ به طريقك؟، في الواقع لا، الأسوء انك تستمر في بناء خياراتك وانت تدرك تلك الحقيقة. 
كل ما تريده هو جرعة مخدرة، هيروئين الاحلام، كوكائين الأوهام، نشوة تعيشها خلايا دماغك برهة حتى تعطيك دفعة لاستقبال الحقيقة القادمة 

السبت، 2 ديسمبر 2017

القانون والبشر، رابطة أم علاقة ؟

-المعذرة؟
خرجت هذه الكلمة باستنكار مشمئز من شفتي علاء وهو مثبت عينيه على محدثه الذي جلس أمامه على تلك الأريكة واضعا قدما فوق الأخرى باستعلاء فيما بدا وجهه الأصفر المشوب بذلك الشعر الأسود الكثيف على وجنتيه وخديه ما زاد من اشمئزاز علاء ونفوره منه، فمنذ أول لحظة شاهده بهذا المظر جالسا يستنشق دخان التبغ الذي ملأ المكتب من علب الانبعاث الصغيرة الخمس التي وضعت فيه مبقيا اثنتين منهما إلى واحساس بالكراهية والنفور يغلي دخل روحه، لم تكن المشكلة شخصية بينهما، فهذه كانت أول مرة يقابله فيها وهي على الأأكيد ستكون آخر مرة، رفع الشاب عينيه الناعستين المستهزئتين واللتين شعتا بعجرفة وصلف لم يكلف نفسه عناء إخفائهما نحو هذا الوافد الجديد عاثرا فيه على ضحية ممتازة لتحطيمها والنيل منها، أخذ نفسا آخر من دخان التبغ قبل أن يستكمل جملته التي توقف عندها
-ألم تسمع ما قلته أيضا؟، حبا بالسماء رشيد كيف يمكنك أن ترافق هذه المخلوقات التافهة
صر علاء على أسنانه بحقد تشربته عروقه وهو يحدجه بنظرات ساخطة فيما أردف هو متجاهلا ابتسامة رشيد المستمتعة وهو يشاهد هذه المقابلة
-لقد سمعتني جيدا، ولست من أولئك الذين يكررون كلامهم للحمقى، فها أنت هنا تتكلم بنشوة النصر وفورة الجهل عما لا تدري منه جيدا، فما الذي أدراك أنت عن حقيقة ما يجري داخل هذه الدولة، من أين يمكن لك أن تعرف شيئا عدا اللغو الذي حشي في رأسك طوال تلك السنوات الغابرة التي تسميها حياة، بل وفوق هذا تأتي مبتسما لتجهر دون خجل أو ورع أنك قد نجحت في تسيير القانون كما تشاء لتحقق أهدافك، شيطان يأخذك، ألا تدرك أنك لست سوى جاهل ينقل ما تلقاه مثل ببغاء لا يدري شيئا، أجل تأتي مبتهجا بفوزك العظيم موهما ذاتك أنك قد حققت نصرا عظيما، وأنت لا تدرك أن الحقيقة هي أنك تسير تماما كما يريد لك غيرك أن تسير، فهذا القانون العبثي الذي تبتهج به وترفع رايته عظيما فوق رأسك ليس سوى أكثر من قيود تحيط بالبشر لتقييدهم وتكبيل حرياتهم، ليس سوى هراء تتناقلونه أنتم معشر المغفلين موهمين أنفسكم أنكم تعملون وفق القانون، وأنتم في الحقيقة لا تفعلون شيئا عدا الرضوخ لسياسات رجال المال الذين لا يهمهم شيء سوى تحقيق مصاحلهم أكان ذلك من خلال استعمال قانونكم الغبي أم من خلال استعمال قوة سياسييكم الجهلة، في كلتا الحالتين يحظون بنصرهم المتوج، بمزيد من النفوذ ومزيد من المال ومزيد من القوة، فيما أنتم أيها السفهاء تأتون متضاحكيم ومتغامزين لأنكم تمكنتم من استعمال القانون، سحقا لكم
وأدار بصره نحو رشيد مستكملا
-يبدو أنك ما تنفك تغرق نحو القاع أكثر وأكثر رشيد، لا أدري بالفعل ما الذي يدفع بك للاستمرار داخل هذه المهنة الوضيعة منغمسا في هذه السخافات التي تسمونها قانون
-أنت يا هذا
منعت جملة علاء الغاضبة رشيد من الكلام ليستدير المتحدث نحوه ملاقيا بعينيه الهازئتين العابثتين عيني علاء الناقمتين الساخطتين قائلا
-ما الذي تريده؟، أما زال لديك شيء لتقوله بعد هذا؟
-شيء لأقوله؟!، أتعبث معي؟، إنك جالس هنا كملك على عرشه تسخر وتعلن كما بدا لك، من أنت حتى تظن أن بإمكانك التحدث بهذه الطريقة عني أو عن مجال عملي؟
وهنا أجابه بتلك النبرة المستعلية
-أنا كامل طواني، كاتب وناقد سياسي ومثقف وأديب
ومتجاهلا حتى تكملة ذلك التقديم تابع الشاب بنبرة حادة غلفتها السخرية اللاذعة
-هذا هو فقط، كاتب سياسي وناقد ومثقف وأديب، فعلا إنك مثال للشخص المبدع الذي تجاوز كل الخطوط، وهل لك أيها الكاتب والناقد السياسي أن تخبرني كيف تعمل داخل  هذه البلد
رمقه الرجل باستهزاء مع هذا السؤال قائلا
-أعمل كما تعمل يا عزيزي
-فعلا، تعمل كما أعمل، وتسير كما أسير، وتقف عندما أقف، وتذهب كما أذهب، وهل تعرف أيها الوقح أن من يدير هذه الأفعال جميعها هو هذا القانون الذي تسبه وتذمه منذ ساعة، لا أدري أيهما أكثر مدعاة للسخرية والاستهزاء، أن أجد شخصا ينتقد فكرة القانون ويهاجمها بكل قوته متهما إياه بالعنصرية وهو عاجز عن فعل أي شيء إلا تحت ظل هذا القانون، أو أن أجد شخصا ينتقد رجال المال وحبهم في السيطرة والقوة في الوقت الذي ورث فيه مال والده
دفعت هذه الكلمات بكامل ليحدجه بحدة لم يزاولها الكبرياء المستعلي فيما أكمل رشيد مبتجها
-بل وفوق هذا كله يا عزيزي علاء، فهو لم يكلف نفسه حتى عناء البحث عن عمل، فقد ظل جالسا لثلاث سنوات دون عمل حابسا نفسه في غرفته ليقرأ الكتب مصرا على اخذ المال مني على أن يتنازل ليبحث عم وظيفة ما، إن هذا الجالس أمامك يستتفه العمل اليدوي في الوقت الذي يدعي فيه أنه نصير للعمال والفلاحين وذوي الطبقات الدنيا، ولكنه لم يتنازل يوما إلى مستوى أن يجرب هذا العمل أصلا لأنه لا يريد أن يعمل، فهو يريد أن يأتيه دخل ثابت دون أن يتحرك من خلف مكتبه أو أن يرفع شيئا عدا كوب القهوة
بدا البرود في عيني الشاب وهو ينظر إلى شقيقه الأكبر الذي هز كتفيه متجاهلا إياه
-حاول أن تنكر حرفا واحدا إن كانت لديك الجرءة
-ولِم أنكر ما هو صحيح يا أخي العزيز؟، إلا أن ما يثير السخرية فعلا هو أن غرٌ كهذا لا يعرف شيئا سوى كتب القانون يأتي ليحاضر فيّ أنا، لقد كان من الأفضل لك أيها الشاب أن تذهب لتقرأ آلاف الكتب قبل أن تأتي لتناقشني في القانون
وثبت عينيه على علاء مستأنفا
-فهذا الذي تتباهى به وتفتخر بانتمائك إليه، ما هو سوى بلاء أرسل علينا لتقييدنا والتحكم بنا وتحقيق أطماع الطبقة الثرية، أو الطبقة العليا كما يطلقون على أنفسهم، أجل هؤلاء هم الذين يضعون القانون، فمن قانون العمل إلى قوانين التأمين إلى قوانين الأرضي والملكيات الخاصة، كل هذه هدفها تكريس واقع تتحكم به النزعة الفردية على البشر وبالتالي تعزز الملكية الفردية والملكية الخاصة وتغلى حفيفة الملكية العامة، ويغدو كل ما هو مهم هو الحصول على المال للشراء والابتياع الفردي، تزداد كمية الأموال المقرضة من البنوك ومؤسسات الاقراض تحت مسميات واهية، كدعم المشاريع الفردية والمشاريع الصغيرة، وكل هذه الأموال تعود مضاعفة لمصاصي الدماء أولئك، تحطم المجتمع وتلغي الروابط المجتمعية التي تملأه لتحل محلها ثقافة الفرد والمال، الأنا والأنا فقط، ولتقويتها فالمال هي الطريق الوحيد ولا يهم ما الطريق الذي تلجؤ إليه، فعليك أن تحصل على المال، وإن لم يكن باستطاعتك الحصول عليه فستقترضه منهم، ولا طريق آخر غير ذلك، لأنك إن حاولت أخذه بالقوة فسيلجأون للقانون الجنائي، أليست السرقة مجرمة في القانون؟، أجل لقد وضعت تحديدا لحمايتهم من السرقة، وضعت كل هذه القوانين كي يحموا أنفسهم في مواجهة الطبقات الفقيرة لا غير، وضعت كي تتمكن امرأة مثل غادة ميغانمي من زيادة نفوذها وتوسيع شركاتها، ويأتي أمثالك من الجهلة في نهاية المطاف ليقول لي بفخر مسرحي القانون، حبا بالجحيم ما الذي تعرفه أنت؟
مع انتهاء كلماته اللاذعة تلك والتي سمعها رشيد مئات المرات دون أن يتعب نفسه ولو حتى مرة واحدة بالرد عليها أو حتى النظر إلى صاحبها، نظر إلى مرافقه الشاب الذي عاد الهدوء إلى ملامحه وشع الحزم في عينيه ليبدأ كلامه
-وما المشكلة؟
أجبر هذا السؤال الاستغراب على اعتلاء وجه رأفت وهو ينظر إليه مستمعا لتتمة الكلام
-القانون وضع ليحمي الطرف الأقوى على حساب الطرف الأضعف، هل لي أن أعرف أين المشكلة في هذه العبارة؟، فمنذ أن خلق القانون ونحن نعرف تماما أنه لم يوضع لتحقيق المصالح، القانون هو مجموعة من القيود التي وضعها الأقوياء على الضعفاء لحماية أنفسهم والسيطرة عليهم، هذه ليست مشكلة ولا فضيحة اكتشفتها أخيرا بعد طول عناء، فطالب سنة أولى في كلية القانون يعرف جيدا أن كل تلك النظريات التي بدأت محاولة  أن تفسر كيف اجتمع الناس منذ فجر البشرية في تجمعات منوعة وشكلوا مجتمعات مختلفة وسنوا القوانين وعينوا المسؤولين عنهم وإلى آخره من تلك الافتراضات، إن الأحمق وحده هو الذي يرى أن القانون وجد لحماية العدل بين البشر ونشر المساواة والسعادة بينهم، حبا بالسماء ما هذا إلا لغو لا فائدة ترجى من ورائه، لقد وضع القانون ليقيد ويعاقب ويحمي، من سيحمي؟ القوي، لا جدال في هذه الحقيقة، لماذا؟ لأنه قوي ومسيطر، لأن البشر منذ القدم خضع الضعفاء منهم للأقوياء، لأنهم منذ الأزل وهم يتجهون نحو التملك وحب المال وحب السيطرة والرغبة في امتلاك كل شيء، لهذا السبب ظهرت المدن، لكي يحمي الفرد منهم ما لديه من غيره، لكي يمنع غيره من الاعتداء على ماله كونه يعرف أن هذا الآخر يريد ما بحوزته، أجل يعيش البشر على نزعة الاستملاك والفردية، ولهذا هم بحاجة لمن يوقفهم عند حدودهم، وإن لم يوقفوا بعضهم بعضا لن تكون العقابة وخيمة، سيقتلون بعضهم بعضا، وسيدمرون ما لدى الآخرين من أملاك، وهذا درس ما زال يتكرر حتى اليوم، فبعد كل تلك السنوات العجاف التي مر بها العالم لم يتعلم البشر حتى انتهى بهم المطاف إلى تحطيم أنفسهم مع نهاية العصور الغابرة، ولكن حتى هذا لم يلقنا الدرس الذي نحتاجه، فنحن حتى اليوم ما نزال نسير في الطريق ذاتها، حب المال وحب التملك، أنني أدرك كل هذه الأمور جيدا ولا أرى فيها أي مشكلة، فالأغنياء لم يأتوا من العدم ولم يهبطوا إلينا من المريخ على طائراتهم الفضائية، فهم بشر مثلك ومثلي تماما، الفرق الوحيد بيننا هو أنهم يمتلكون المال ونحن لا نمتلك، وعندما أقف ممسكا القانون بيدي فأنا أحمي مصلحتي قبل أي شيء آخر، أنا لا أبحث لا عن العدالة ولا عن الحق ولا عن المساواة ولا عن كل هذه الكلمات الرنانة التي تنفع فقط في المؤتمرات والندوات، والتي ثق بأنني لا أتردد في الجهر بها والتمسك بأهذاب فضيلتها إن دعت الحاجة إلى هذا وإن تطلبت مصلحتي فعل ذلك، أما أنت فتنتقد كل هذا وتكره كل هذا وتلعن القانون ومن يعمل به ومن يسير أسفل مظلته في الوقت الذي أنت نفسك واحد من هؤلاء، فهل تجرؤ على تجاهل ما يقوله القانون؟
طرح سؤاله بنبرة ساخرة وهو يرى تلك النظرة الدونية المثبتة عليه بملامح تقزز كارهة ليستكمل
-لا داعي لهذه الملامح المنفرة أيها السيد الناقد والكاتب السياسي، فإن كنت تجرؤ على أن تقطع إشارة المرور عندما تصبح حمراء وإن فعلت وتجرأت على عدم دفع الغرامة للدولة فتعال وقل هذا الكلام لي، إن كنت قادرا على استخراج أوراقك الثبوتية دون أن تتبع جميع التعليمات داخل الوزارة بحذافيرها دون أن تتاهل شرطا واحدا فتقدم وقف أمامي، إن كنت عندما تتعرض لاعتداء لا تذهب إلى الشرطة لتحاسب المعتدي بناءً على قانون العقوبات ذاته فأظهر نفسك، وإن كنت تجهل يا حضرة الكاتب السياسي فأنت تقف أمام مبنى المجلس العالم شاتما ولاعنا ومنتقدا كل من تسول لك نفسك لأن الدستور اعتبر ذلك حقا أساسيا لك لا يمكن انتهاكه، وعندما ينتهكه أحد فهل لك أن تخبرني إلى أين تذهب؟، إنك تذهب إلى المحكمة متمسكا بالدستور والقانون، وبعد هذا كله فهل لي أن أسأل من هو صاحب الشخصية المضطربة والمنفصمة هنا؟
قطب كمال ما بين حاجبيه بشدة زادت من تجاعيد وجهه الشاحب ليقول بنبرة حادة مستعلية
-إن الشيء الوحيد الذي يدفعني للانصياع لهذا القانون الهمجي هو مجموعة العبيد الذي يسيرون خلفه دون أن يرفعوا رؤوسهم ليعترضوا على هذه الحال المزرية
-وأنت واحد من هؤلاء العبيد
-خسئت يا هذا
رمقه الشاب باستنكار لاذع ليتابع هو بترفع
-أتقارنني بأمثالك، أنتم الذين لا تفقهون شيئا عدا ما هو محشو داخل رؤوسكم من الكتب السخيفة فارغة المعنى والمضمون التي تقرأونها
نهض عن الأريكة ناظرا إلى المحامي من علو متابعا بنبرة غلبها الاحتقار
-حتى تتمكن من  الجلوس أمامي ومناقشتي فأنت بحاجة إلى مئة سنة أخرى، فأنت لا تدري شيئا سوى بضع كلمات لا فائدة لها تحصلت عليها من كتب القانون التي تقرأها تلك، كلمات وضعت لتتحكم بكم كقطيع من الأغنام وتسيركم كما شاء الراعي، وقلة هم اولئك الذين خرجوا من هذه الدوامة رافضين الانصياع إليها والسير فيها، وهذه القلة النادرة هي ما لن تستطيع أنت ولا أمثالك من الدخول إليها أو حتى ملامستها
هم علاء بأن يتكلم كابتا رغبة عارمة انتابته لاطباق قبضتيه على رقبته ولكن الشاب تجاهله ونظر إلى شقيقه الأكبر مردفا
-سأراك لاحقا يا رشيد
ومتجاهلا إضافة كلمة أخرى سلك سبيله عبر المكتب ليخرج منه تاركا نظرات علاء القاتلة تلاحقه حتى توارى خلف الباب، ضغط الشاب على قبضتيه بقوة غارسا أظافره داخل لحمه، لقد شاهد الكثير من هذه النوعية في حياته، أولئك الذين يرون أنفسهم مخلصوا العالم، أولئك الذين يحاولون أن يلعبوا أدوارا ليست لهم، أولئك الذين يترفعون عن الجميع ويرون انفسهم في طبقة أعلى من البشر كافة، فرجال الأعمال حثالة بالنسبة لهم يمتصون دم البشر، وأفراد الطبقة المتوسطة هم مجموعة من الأنام التي تسيرها النزعات المنحطة، والطبقة الفقيرة هم المضطهدين المقهورين والضعفاء الذين يحتاجون إلى منقذين لتخليصهم، ورجال السياسة هك مجموعة من الكذبة والخونة وأصحاب المصالح الذين لا يمكن الإيمان بهم، ورجال القانون هم مجموعة من الأفواه الفارغة والعقول المعدومة، ورجال الصحافة لا جدوى منهم فهم يبحثون فقط عن الفضائح دون مهنية ودون شرف، كل من في العالم لا يرقى إلى مستواهم، فهم يرون أنفسهم المخلصين والمنقذين لكل هذه الطبقات، وأفكارهم هي النيرة التي ستقود البشرية إلى النعيم الأبدي، تماما كما قادت أفكار جيلهم السابق البشرية إلى نهاية العصور الغابرة، ابتلع رمقه بحقد ملتفتا إلى رشيد طواني قائلا بسخط
-مع كل الاحترام سيد رشيد، فالمكان الوحيد لأمثال هذا الرجل هو السجن الأبدي إن لم يكن الإعدام
ابتسم رشيد بسخرية مع هذه الجملة التي لم تكن المرة الأولى التي يسمعها بها ليقول
-إنه هكذا منذ دخل الجامعة، لا أدري ما الذي يريده، وهو نفسه لا يعرف ما الذي يريده، فأنا أعرف جيدا أنه مستعد لأن يجلس إلى الأبد في غرفة مغلقة إن أعطيته مصدر دخل ثابت

-يا له من نصير للمضطهدين فعلا. 

الخميس، 23 نوفمبر 2017

سؤال مصيري

ما الذي تريدينه بالضبط؟
تطرح العديد من الأسئلة على حياة المرء، إلا أن بعض تلك الكلمات التي تختم ذاتها باعوجاج منقوط يمكن لها أن تغير حياة بأكملها، بل إن بعضها قادر على أن يقلب نهار من ضحكة لعبوس، ومن ارتياح لضغط ترزخ أسفله دون رحمة أو شفقة.

أجل ما الذي تريدينه؟ ما الذي تريده؟ ما الذي أريده؟.

عندما يأتي الوقت الذي يقفز فيه هذا السؤال من العدم ليجثم أمام العينين رافضا التزحزح، عندها يتوجب أن يعاد فتح الصفحات القديمة والمهترئة عن بكرة أبيها، فما الذي يبغيه المرء لأجل حياته القادمة؟، إنه يمسك بشهادته بين أنامله ولكن هذا وحده ليس كافيا، ما الذي يظهر بعد الشهادة، الخبرة العملية، ثم تأتي الدورات التدريبية، والبرامج المختلفة التي حرص على حضورها منذ تخرجه، ولكن ماذا بعد؟، هل كل هذا يكفي؟
لا
ستضطر عاجلا أم آجلا أن تقف أمام ذلك السؤال القاسي تاركا نفسك لتنجرف في ظلماته المدلهمة، فما الذي تريده بالضبط؟، هل تريد أن تجلس خلف مكتب مسور بالهواتف وملحق بالمساعدين؟؛ هل تريد أن تقف ملقيا الدروس والمحاضرات على الغير وعيون الجميع مثبتة عليك؟، أم تريد أن تجد وتتعمق في المجال العملي الخاص بمهنتك دون أن تبتعد عن تلك الضجة التي تحيط به؟، أين ترى نفسك؟
أنا لا أعلم ما رأي الآخرين ولكن اختيار الموت بالكرسي الكهربائي على حبل المشنقة يبدو خيار أكثر سهولة.

لقد وقفت أمامه للمرة الأولى، إنها تجربة مقيتة كريهة، أن تحدق بتلك الكلمات العائمة أمام بصرك في الفراغ عاجزا عن الرد عليها، إنها تحدق فيك، تسخر منك، تستهزئ بك، هل من الممكن أن تحدد مصيرك في بضع دقائق في الوقت الذي كنت فيه عاجزا عن فعل ذلك طوال أربع سنوات؟، يبدو السؤال مزعجا وهو يترنح بسكر أمامك، ترمقه بشزر هادفا إخراسه، فهل أربع سنوات فترة طويلة في المقام الأول، في حياتك العادية أجل، ولكن عند حياتك المهنية إنها لا شيء
لماذا؟
لأنك تقضيها محاولا اكتشاف ذاتك، محاولا تحديد طبيعتك، محاولا التعرف إليك

تبدو الكلمات لي غبية، ولكنها ليست كذلك، إنه تناقض صارخ
ولكن ما الحل إن كانت حياتي وربما انتم أيضا متناقضة لا اتزان فيها.

أقول لنفسي أني في ربيع العمر، وأن الحياة لم تبدأ بعد، أنا مقتنعة بذلك، ولكن هل من أحد قادر على إقناع عقلي بذلك؟.

أريد الكثير من الأشياء في مستقبلي المهني، ولا شيء منها هو سهل الدرب، إلا أن اختيار درب واحد يظل هو الأكثر صعوبة، فهو درب سيقود خطاك حتى آخر متر من رحلتك.

أكره أن أقف هناك مرة ثانية جاحظة بتلك الأحرف الهازئة، ولأجل ذلك فإن جهد أربع سنين تم اختصاره في أربع، هل كان الاختصار صحيحا؟،لا فكرة لدي، هل ستكون سبيله ممهدة؟، هنا انا واثقة أنها مفروشة بالصخر، ولكن الرغبة والشغف تغلبا على الراحة والملل في نهاية المطاف.

الثلاثاء، 14 نوفمبر 2017

في مهنة المحاماة


إن النظر إلى عالم المحامين عن قريب يترك العديد من الآثار والانطباعات التي لا يمكن تجاهل إحداها في مهنة ينطوي تحت لوائها العديد والعديد بشكل مستمر سنويا دون توقف، فهناك نطريات عديدة تحيط بمفهوم المحامي وعبائته السوداء داخل المجتمع الفلسطيني.

فتارة هو وظيفة تدر دخلا عظينا وتساعدة لتصبح ثريا، وتارة أخرى هو شهرة وبرستيج يظن المرء أن مناداته بأستاذ يرفعه مرحلة تلو المرحلة على سلم الشهرة والمجد، وما بين هذه وذاك اختفت تلك النظرة التي تقوم أن المحامي هو حامي العدل والمدافع عن المظلوم، إن تحدثت إلى أحدث طالب حقوق في جامعات فلسطين قاطبة فسيقول لك أن تلك كذبة قديمة عفا عليها الزمن.

أجل هناك محامون رائعون ويمثلون الكلمة بكل ما تحمله حروفها الأربعة من معانٍ، وأولئك هم الذين ما زالوا حتى اليوم يعطونني كمحامية دفعة إلى الأمام للتطلع إليهم والتمسك بقيمهم وشخصياتهم وتتبع خطاهم، إلا أنه في مقابل هذا المجد ترى الانحطاط في أدنى صوره، فأجل هناك من المحامين من لم يكتفي فقط بتشويه سمعة هذه المهنة المحترمة وتلطيخها بالتراب الموحل، بل إنه سعى وما يزال إلى تشويه اسم مهنته قبل اسمه.

فهناك من المحامين من يستمر بالكذب ويتمرغ فيه حتى يغدو من المستحيل الخروج من تلك الهوة، إنه يلوم القضاء ويلوم النيابة ويلوم قسم التبليغات ويلوم دوائر التنفيذ ويلوم الموظفين، ولكنه قطعا لا يلوم نفسه، على الرغم من أن الحقيقة تصرخ بجلاء أن المقصر الوحيد هنا هو المحامي، ولكن هل سيعترف المحامي بذلك؟، قطعا لا، سيستمر بالدوران حول النقطة ذاتها، يخبرك أن اليوم حدث كذا والبارحة كذا وغاد سيفعل كذا، وهو جالس في مكتبه أو في سيارته ينتقل من مكان لآخر دون أن يعرف حتى اسم من هذا الذي يكلمك، فهو بكل ثقة لم يفعل شيئا مما قاله، ولم ينفذ حرفا مما وعدك به، ولن يكون تلك الوعود الزاهية قريبة التحقيق على أرض الواقع يوما.

يمكنني أن اقول بثقة أنني أفخر بالتفافي بردائي الأسود، ولكن عندما يستقر بصري على تلك الشخصيات التي تسيء وتلقي بتلك العباءة أسفل الأقادم دائسة عليها يعود إلى ذهني سؤال مهم، فهل هذه هي الصورة التي بات المحامي يتمثل فيها للمجتمع ولنفسه، هل باتت تلك هي الهيئة الشائعة التي لا يمكن للمحامي إلا أن يتوج ذاته بها، أن يكذب على موكله وعلى زميله دون حرج أو خجل، بل وأن يتفوه بتلك التبريرات والكذبات باستمرار مقتنعا بها!.


ليس هجاءً ولا لوما بل ناقوس خطر لا بد أن يدق، هناك العديد من أولئك الذين يسيؤون إلى مهنة حملت دولا على مدار سنوات، ودائرة الشكوى في نقابة المحامين غاصة بالأدلة على أولئك المنتهكين، فأين الحل؟. 

الخميس، 9 نوفمبر 2017

انه فخ

قد تكون الكلمات قاسية
ولكنها تصيب قلب الحقيقة

فعندما تكبر ستصارع من تكره
وترافق من تمقت
وتبحث عما لا يمكن أن تجده

ستجد نفسك غريق دوامة لا نهاية لها
بآمال محطمة
وأحلام مستباحة
ورفقة مزرية

لا تكبر
ابق صغيرا
فالحق يقال

إنه سيد الفخاخ

المال ومن بعده العدم


لعل الكثير من الأسباب تودي في نهاية المطاف إلى تقويض دعائم العديد من العلاقات، أكانت شخصية أم رسمية، ولكن صاحب المرتبة الأولى بامتياز دون منازع هو المال.

عشق المال هو حقيقة لا راد لها, ولا إمكانية للتفكير حتى في اثبات عكسها, فحتى من يكره المال ويترفع عنه لا يكاد يطيق فراقه، ومن يحاول أن يلعب دور المتنزه عن دناءة الدنيا، فلا ريب أنه يلقي بروحه إلى الحضيض.

ليست مشكلتي هي المال, فأنا كما غيري أعشق رنين معادنه وحفيف أوراقه، ولكن ما أقوله لنفسي مقتنعة به كشروق الشمس وغروبها أن لتلك العملات المعدنية والورقية سحرا لا يضاهى عندما يأتي ميعاد تحطيم العلاقات.

فإن أردت أن تقيس مدى قوة علاقتك مع شخص ما أيا كان مسماه, أدخل المال في المنتصف, وأنا أضمن لك أن تلك العلاقة ستتبخر كأنها لم تكن يوما.

أما إن أردت أن تعرف مدى التزام أحدهم بكلمته ومواعيده فاحشر المال في تلك العلاقة، وأنا أؤكد لك أنك ستصطدم عندما تكتشف أنه لا يمد بصلة لكلمة التزام.

وفي النهاية إن كنت ترغب بتحطيم علاقتك مع شخص لا تطيقه، فإليك الوصفة السحرية.

المال ثم المال ثم المال

الجمعة، 27 أكتوبر 2017

ما هي المسخرة

ما هي المسخرة؟
سؤال مهم يطرحه الجميع يلا استثناء طوال النهار، أو هم يلقون بالوصف على كل ما لا يعجبهم، حسنا إذن هذا ما تعنيه المسخرة حقا، فعندما تنظر لترى مجموعة في تلك الدائرة يقفون كما لو كانوا مغرمين ببعضهم، يضحكون ويتغامزون وييتقاذفون البسمات والانحناءات والتلامسات والقبلات، ولكن على الرغم من ذلك الود كله فأنت قادر على استشفاف النفاق في عيونهم وشم الكراهية في عيونهم، قد أكون قاسية أن استعملت كلمة كراهية، فهي حقيقة نفاق صرف، حيث يقفون جميعا هناك كعمدان تآلف لم تعد تعطي أي نور، بل مجرد كومة من الخردة واقفة بعناد هناك لتظهر نفسها فقط.
وبعد أن تنفض الدائرة يعودون إلى مقاعدهم لتبدأ حلقة الذم والقدح والتشهير بحق بعضهم، فالأول يتحدث مع الثاني عن الثالث ثم يترك الثاني ليتحدث مع الثالث عن الأول وينقل له ما قاله عنه، حبا بالجحيم إلا يعرفون أن عقوبة الذم والتشهير هي ثلاث سنوات سجن؟؟!!
والآن هل يمكن أن يكون هناك ما يستحق أن يطلق عليه وصف المسخرة أكثر من هذا

الأربعاء، 11 أكتوبر 2017

توقف عن طرح هذه الأسئلة الغبية

معنوياتي..... في الحضيض
طموحاتي.... في غرفة الانعاش تصارع الموت السريري
أحلامي.... مقعدة بشلل دائم لا يبرأ
أمنياتي.... أوريت الثرى الأمس فقط

وبعد هذا كله تأتي لتسألني بلا مبالاة كيف حالك؟؟!!
باسم الرب توقف عن طرح هذه الأسئلة الغبية

الخميس، 21 سبتمبر 2017

فلتذهبوا برحلة تذكرة دون عودة إلى الجحيم الأبدي




يطرح سؤال مهم نفسه دون منازعة أو مقاومة في كثير إن لم نقل كافة الأحيان، لماذا لا نتقبل ما يقوله الغير خصوصا إن كان ما يقوله هو الحقيقة التي نعلمها نحن جيدا بل ونقر بها أغلب الأحيان؟، أنا لا أتحدث عن نصائح بشأن الملبس أو المأكل أو المشرب أو نوع عطرك أو لون أحمر شفاهك أو ماركة حذائك، كل هذه أمور تقليدية خاصة يكره كل منا أن يتدخل الآخر بها دون شك، ولكن المقصود بذلك السؤال هو الصفات والتصرفات الشخصية.
فرغم أنني أدرك تماما كامرأة أنني ذات شخصية قوية ومتجبرة ومن الصعب بل الخطر أن يقف أحد أمامي على سبيل المثال ويعترض على ما أقوله لأنه يدرك أنه سيناله من لساني ما هو أسوء من ضربات السياط، أقف منزعة متضايقة بل مستنكرة وساخطة عندما أسمع أحد يقول هذه الكلمات لي، أقالها في وجهي مباشرة وهو نادر أم قالها خلف ظهري وهو شائع، ما الفرق في كلتا الحالتين إن كان ما قاله صحيحا، وعلى الرغم من أنني كرجل أدرك أنني جسر متنقل لا يبقي على حديث سمعه إلا ونقله من ضفة إلى أخرى أكانت تلك هي الضفة الصحيحة أم الخاطئة أثور لاعنا ومنفجرا كبركان ثائر عندما يرمي أحدهم بهذه الكلمة في وجهي أو لغيري؟.
ألا يبدو من الغباء الفاحش أن المرء يريد أن ينكر حقيقته، إن كنت تكره شخصيتك إلى هذا الحد فبحق الجحيم تخلى عنها واستبدلها بغيرها، ولكن لا تلقي بالملامة على غيرك لأنه يقولون لك ما يرونه منك، فكما تريد أن تتعامل بتلك الشخصية لغيرك الحق في اتقادك، أعجبك هذا أم لم يعجبك فهكذا تسير الأمور هنا، إذ للأسف ما زال مجتمعنا قاصر عن استيعاب فكرة أن يترك كل واحد الآخر لشأنه دون أن يدس أنفه فيما لا يعنيه ولا يخصه، بل نحن ما نزال مجموعة من الجهلة الذين لا هدف لنا سوى التدخل بالآخرين والتحدث عنهم ونقضهم، وما بين هذه المتضاربات كافة في مجتمع غير متزن لا يعرف شيئا سوى الثرثرة الفارغة والنميمة القاتلة والبغض المتنامي والجهل الفاحش لن تجد أمامك أي حل، وتجد نفسك في نهاية المطاف مضطرا لأن تلعن ما حولك دون استثناء لأحد.


الجمعة، 11 أغسطس 2017

لمن يهمه الأمر

هل أنا حمقاء؟ أم انا فقط مغرورة ذات كبرياء فارغ المعنى والمضمون؟ ربما ، لا أنكر حقيقة تعجز عن دكها الصخور.
ولكن في مقابل ذلك هل من يقف أمامي هو الملاك المنزل أعتقد أن الوصف الأدق هو الملاك الساقط ........ دعوني أفكر مرة ثانية ، كلا فملاك ساقط يعني الرونق قبل البهتان، إن الوصف الصحيح هو جني دنيء فالجني قذارة منذ فجر النهار.

الثلاثاء، 1 أغسطس 2017

الاعراس في أسوء حللها

قبل فترة قرأت جملة لا أذكر من قائلها، تحدث فيها أن الزفاف هو مسرحية بساعتين يوضع فيها العروس والعريس لتسلية الناس في قاعة افراح مدة ساعتين.
وللصدفة فقد كنت مدعوة لزفاف أحد أقاربي وكالعادة ففي مثل هذه المناسبات نضطر أن تجلس مبتسما مصفقا وانت تنتقل من مشهد لآخر، ومع انتقال عيني من مشهد سخيف لثان أكثر سخفا طرقت عقلي سلسلة من التساؤلات، فما المغزى من هذا العرض ذو الرقص الرديء؟ والموسيقى المكررة والمعادة منذ لا تدري السماء كم؟ بل إن الافظع هو أن ثلاثة أرباع من كانت والدة العروس تراقصهن بابتسامة منشرحة اسفل قناع المكياج الذي لطخت به وجهها لا تطيقهن،  بل إنها كانت تذم أم العريس ليلة الأمس فقط، وترى هناك أيضا جدتها التي لا تطيق عمتها ترقصان معا بضحكة شاسعة، مجموعة غبية من الفقرات التي تشعرك كما لو كنت في فيلم سيء الإخراج، فلست ادري أي مغزى سقف خلف الدوران في دائرة مفرغة حرفيا وتوزيع تلك الوردات المسكينة على مجموعة من النساء اللواتي سيلقين بها في حاوية النفايات ما أن يعدن لمقاعدهن أو يرمينها لأولادهن كي يدوسوها بأقدامهم ويمزقوا بتلاتها البريئة.
مما لا شك فيه أن تلك الساعات الثلاث التي يضطر المرء للجلوس طوالها متصنعا الضحكة ومنافقا من حوله هي مؤهلة وبجدارة لنيل اوسكار أسوء فيلم وأسوء إخراج وأسوء مونتاج وأسوء مكياج وأسوء زي، أما عن الممثلين والممثلات فعذرا سادتي، مهما بلغ نقدي لذاعة إلا أنه يعطي كل ذي حق حقه، فهم عن جدارة يستحقون جائزة أفضل ممثل وأفضل ممثلة .

قد يقول البعض أني أبالغ ولكن أن لم تكن هذه هي الحقيقة فليقف من لديه ذلك الرأي ويلقي به في وجهي.

السبت، 22 أبريل 2017

الجامعة الحضانة

  
أجل، كما هو المعتاد، الساعة دقت تمام الثانية وأنا جالسة في مقعدي الخشبي الذي طالما ذكرني بمقاعد الحضانة باستثناء أنه يحيط بي من جهة واحدة بدلا من جهتين كما الأطفال، لا فرق بين الاثنين في كل الأحوال، فكليهما يهدف ولو بشكل بسيط إلى السيطرة عليك والتحكم بك، طرقت بأصابعي واحدا تلو الآخر على المحيط الخشبي للمقعد بانتظار أن يشرفني دكتوري المحترم أو بقية الطلاب، فما هو من المظاهر الطبيعية في جامعتي العزيزة هذه هو ألا أحد هنا يلتزم بالوقت، أو لأكن صادقة مع ضميري هذا إن ظل منه شيء ما هناك البعض مما لا يزالون يرون أن من القدسية بمكان هو أن تتواجد في المحاضرة بوقتها المحدد، أكره أن أمدح نفسي، ولكن احترام الوقت هو الخصلة الوحيدة الجيدة فيّ، أعدت التحديق إلى شاشة هاتفي حيث الساعة تجاوزت الثانية وعشرة دقائق، وسيكون أمامي أيضا قرابة الخمس دقائق إضافية قبل أن يكتمل نصاب الطلاب أولا وقبل حضور الدكتور مدرس المادة ثانيا، فلا أحد داخل هذه الجامعة العزيزة أو أي من الجامعات غير المتوازنة داخل هذه البلد البائسة يفكر بنفسه كفرد في جامعة، جميعنا وأنا منهم دون أن أستثني نفسي لا نفكر في هذه الكلمة المسماة جامعة سوى بانهاء الامتحانات بعلامة جيدة، لا يهم ما نتحصل عليه من معرفة هذا إن تحصلنا على شيء ما بل يهم هو كم تحصل على نتيجة امتحانك النصفي، لا يهم كيف تناقش وتعد بحثك القانوني هذا إن أعددت شيئا من الأساس بل ما يهم هو هل سيعجب الدكتور النسق الذي سرت عليه؟ هل ستروقه طريقة توثيقي للمعلومات؟ وهل سيحب الاهداء المزخرف الذي زينت به صدر الصفحة الثانية، ولا يهم أكنت طالب سنة أولى في الجامعة أم كنت طالب دراسات عليا في سنتك الثالثة، ستعامل بذات الطريقة في كل حال، فأنت لست سوى متلقٍ للمعلومة، أنت لست منتجا بل لا يسمح لك حتى بالتفكير في انتاج المعرفة، شعار جامعاتنا الوحيد تلقى المعلومة وركز انتباهك فقط لأجل الحصول على علامة مرتفعة وأغلق فمك.
في البداية ظننت أنني عندما قاتلت الجميع من حولي وظللت مصرة على حلمي بالحصول على درجة الماجستير أنني أسير على الطريق السليم، آمنت بأني عندما أدخل إلى عالم الدراسات العليا سأقف في باحة تناقش فيها رأيك، تصرح بما تفكر فيه، لا تهتم هنا بما قاله الفقيه الفلاني قبل مئتي سنة، بل كل ما يهم هو كيف تنظر إلى هذا الفقيه، كيف تحلل كملاته، كيف تنتقده قبل أن تعجب به، وفي مجال كالقانون الجنائي كان ذلك الحلم ريشة ناعمة تداعب خيالي الغض يوما بعد يوم منذ اللحظة التي تحصلت فيها على درجتي الجامعية الأولى، بدأ صبري بالنفاذ مع إشارة الساعة لخمس عشرة دقيقة بعد الثانية، أزحت بنظري عن الشاشة نحو نافذة قاعة المحاضرة مستحضرة خيبة الأمل، وتحطم الحلم منذ أول فصل دخلته داخل جدران هذه الجامعة، ففي حياتي لم أندم يوما على قرش أنفقته في سبيل دراستي, إلا أنني لحسن الحظ تذوقت هذا الندم منذ دخلت هذه الجامعىة، عندما كنت في فترة دراستي الأولى كان معدل التراكمي هو اهتمامي الأول والأخير بلا ريب، لا أدري لماذا كان الكثير من اهتمامي مركز على انتهاء جامعتي بتقييم جيد جدا على الأقل وهو ما حدث في كل حال في سوق عملي لا يعنيه حتى إكنت تملك شهادة من الأساس أم لا، ظننت أني بدخولي إلى عالم الدراسات العليا سأنتهي من موضوع العلامة التي تهم قبل المعلومة، التقييم الذي يقدم على المعرفة، ولكنني لحسن الحظ اكتشفت أن الدراسات العليا لا تختلف اطلاقا عن المرحلة الجامعية الأولى، ففي كلتيهما يهم معدلك التراكمي قبل أي معلومة بحثية، وحتى لو كنت طالبا في الدراسات العليا فقد بدا جليا لي أن هذا لا يشكل أي فرق سواء للقائمين على هذا البرنامج أو حتى للطلاب ذواتهم، معدلك هو أولا وأخيرا.
وأخيرا وصل الدكتور، رفعت نظري بعد أن دخل باقي الطلاب بعد عشرين دقيقة من بداية المحاضرة ليأخذوا مجالسهم على مقاعد الأطفال التي لها دور لا يغفل في سياسة التجهيل الجامعية، أمسكت هاتفي لأطفئ رنينه واضعة إياه على المقعد المجاور لي إلى جوار حقيبتي وثبت نظري على الدكتور الذي جلس على مقعده راميا بعض الأوراق على الطاولة أمامه، إن ما اعتدنا افتتاح محاضراتنا به هو خمس إلى عشر دقائق من المحادثات الفارغة التي يهدف الطلاب من ورائها إلى إضاعة أكبر وقت ممكن من المحاضرة المكونة من ثلاث ساعات، وحتى لو لم يفعلوا ذلك في فلا فائدة ترجى على أي حال من وراء هذه المحاضرة فأنا ببساطة أحضرها لأنني دفعت مبلغا لا يستهان به ثمنا لها أمسكت القلم لأخربش على دفتر ملاحظاتي وأنا أستمع لبداية الكلام الذي افتتحه زميلي الأكبر سنا بيننا
-ولكن يا دكتور من الصعب جدا أن نضع جميع الأبحاث على طاولة النقاش في يوم واحد، إننا خمس عشرة طالب هنا، وحتى لو كان من نصيب كل واحد منا هو نصف ساعة فلن يكفي الوقت المخصص حتى للاطلاع على البحث ومناقشة عنوانه
لست أدري ما السبب في ذلك إلا أن لأعضاء الهيئات التدريسية في جامعات بلدي تعس الحظ عموما وهذه الجامعة الشقية خصوصا نبرة مستعلية يتميزون بها، بعضهم تضفي هذه النبرة عليهم رونقا إضافيا لا سيما مع قدرتهم الأخاذة والجذابة على التحكم بمجريات محاضرته وعقول طلبته، ولكن القسم الآخر تسبغ عليهم قباحة فوق دمامتهم، فهم لا يمتلكون تلك الشخصية الجذابة، كل ما يملكونه هو فكر يظنونه المقدس فوق العلا، ولكنه في واقع الأمر لا يغدو أكثر من وجهة نظر، ففي القانون قاعدة تقول أنك إن لم تملك نصا بين يديك فرأيك ليس أكثر من وجهة نظر، ولحس حظنا بلا أي ريب فنصف مدرسي هذه المساقات هم من النوع الثاني، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد من المرارة، بل إنه يتجاوزه حدودا مضاعفة نحو قناعتهم العجيبة بأن رأيهم الشخصي هو القانون، وإن حاولت أن تقول ما يعاكسه ستفكر في ذلك مئة مرة لأنك إن فعلت ستخسر علامات إضافية إما في الامتحان القادم أو في مناقشة بحثك اليتيم أو ربما في الامتحان النهائي وهذا ما يدفعك إلى خيارين لا ثالث لهما مع هذا النوع من المدرسين، الأول أن تتملق له وتقبل مؤخرته مادحا إياه ومكيلا له الثناء وهو ما يفعله على الأقل 80% من طلاب الجامعة، أما الثاني فأن تحافظ على صمتك دون أن تفكر حتى في مبادلته الحديث والاكتفاء بحفظ كل ما يقوله لك كآلة الطباعة التي تحزن المعلومات في جهازها الماسح لتعيد طباعتها على ورقة الامتحان.
-لا يهمني ما عددكم، إن ما أقوله هو ما سيحدث، فنحن متأخرون جدا في المادة، ولا بد لنا أن نقطع الأشواط النهائية المتبقية بأسره وقت ممكن حتى نتمكن من إنهاء متطلبات هذا المساق، أنتم تعرفون أن على الامتحان الأول 25 علامة، وعلى البحث أيضا 25 علامة، حيث يشترط لكل تحصل على 10 منها أن تناقش جميع الأبحاث التي ستعرض أمامك
-ولكن يا دكتور، إن لدي التزاما مهما جدا ذاك اليوم، لا يمكنني فقط أن آتي رامية إياه خلف ظهري
خرج ذلك الصوت الأنثوي لزميلتي من ورائي معترضة على قراره الذي ألقي علينا كما تلقي معلمة الحضانة على طلابها قرار بدء ميعاد القيلولة، أكره أن أعترف بهذا ولكن هذا النوع من المدرسين الذي ينتمي إليه الرجل الواقف أمامي يمثل أحببت أم كرهت شريحة كبيرة من مدرسي هذه الجامعة العزيزة، جميعهم يؤمنون أن كلمتهم هي الكتاب المقدس التي حصلت على المباركة الإلهية، وإن حاولت أن تناقشهم فيها فسيقفون كالوحوش الكاسرة رافضين أي محاولة للاعتراض، وهذا ما انفجر في نبرته المستهزئة
-لا يهمني أكان لديك التزام أم لا، إنني أتحدث عن محاضرة تعويض مهمة لكل الطلاب
ولكنها عادت للالحاح مرة ثانية بعناد بدا في صوتها
-ولكن يا دكتور، إن السبت هو يوم إجازتي لا يحق لك أن تنتهكه بهذه الطريقة دون سابق إنذار
-ومن قال لك ذلك؟، لقد قلت أن لديكم تعويضا ذلك اليوم، إن كنتِ تريدين القدوم فأهلا وسهلا، وإن كنتِ لا تريدين القدوم فستحصلين على صفر بكل بساطة
-مع كل احترامي يا دكتور، لا يحق لكل أن تفعل هذا
-بل يحق لي, ولستِ أنتِ أو غيركِ من يملكون سلطة تحديد ما هو حق لي وما هو لا, وسأفعل ما آراه مناسبا شئتِ أم أبيتِ
عندما سمعته بجملته عن ميعاد التعويض أصبت بالشحوب، فأنا لدي عمل ذلك النهار أيضا، ومن المستحيل أن أتمكن من تجاهله للقدوم إلى محاضرة تعويض لمدة ست ساعات، بل إن الأقبح من ذلك أنني لم أتغيب عن المحاضرات تلك بإرادتي، لقد كان هذا الرجل مسافرا طيلة تلك المحاضرات، والآن يأتي بكل بجاحة ليقول أننا إن لم نحضر سنحصل على صفر في مناقشة البحث، هذا ما كنت أعنيه عندما قلت أن مدرسي هذه الكلية يغرسون ثقافة العلامة قبل المعلومة والتقييم قبل المعرفة في نفوس الطلبة من مختلف المراحل الجامعية، أكنت طالبا في المرحلة الأولى أو الثانية أو حتى الثالثة وأنا واثقة أنه لهذا السبب وحده سخط السماء بأسره ملقى على هذه الحضانات الجامعية حارما إياها من مجرد تنشق عبير المرحلة الجامعية الثالثة، ضغطت على قبضتي وأنا أستمع لرده الساخر على اعتراضات الفتاة التي لم تتمكن من كتم غيظها المتفجر في عينيها بعجز، إن فتحت فمي الآن سأتلقى الرد المستهزئ ذاته، إما أن تحضري وإما أن ترسبي، لا حل ثالث أمامك، ولكن ما يثير البجاحة هو قوله أنكِ حرة في تقرير ما تريدين، كيف بحق الجحيم يمكن اعتبار قرار إما أن تحضري أو أن ترسبي في نظام يعتبر العلامة قبل كل شيء هو حرية رأي؟؟!!، إنني واثقة أن حتى المتناحرين حول حرية إرادة البشر سيقفون فاغرين أفواههم أمام هذه الجملة غير المتجانسة.
ابتلعت رمقي بحقن وكتمت غيظي وغضبي، فبد عشر دقائق من الآن سنبدأ أول امتحانات الفصل الراهن، وأنا لا أرغب بالحصول على صفر فيها.
يسرى حسونة

Y.A.H

الأحد، 5 فبراير 2017

لمن يهمه الأمر 18

عندما يسرق المرء وينهب أكان قرشا أم دينارا
وعندما يكذب ويخدع أكان ذلك أمام طفل أم راشد
يرى بعينيه العالم سارقا وكاذبا
يراه ملوثا ومدنسا
يراه قذرا لا سبيل لغسله وإزالة دنائته

يبصر نفسه في من حوله 
يلمح انعكاس ذلته في من يجاوره

يؤثر الاحتفاظ بالشكوك منسوجة حوله
ويفضل دفع عمره كي لا يضع شيئا أغلى أم خف ثمنه في يد غيره

يظن أن الجميع سيسرق
يؤمن أن الكل سيكذب
ويثق ألا أحد يحفظ العهد

فهو سارق
كاذب
دجال
ومزور

وبعد هذا كله يعشق لعب دور الضحية
والمستهدف ممن حوله لنشاطه الإنساني
ودوره اللصوصي
وكلماته المزيفة

بحق الجحيم أيمكن لإبليس أن يصل حتى لهذه المرتبة!!!

الخميس، 2 فبراير 2017

لمن يهمه الأمر 17


ليس الانسان ملاكا
قد يكون البعض منهم شياطينا بدرجات منخفضة
إلا أن الغالبية الساحقة منهم هي شياطين بدرجات مرتفعة
جاثمين على المقاعد العليا من الجحيم
ومالئين بأجسادهم المنتفخة المترهلة المثيرة للاشمئزاز

ملتفحين بالعفاف الكاذب والطهر الزائف
راسمين حول أنفسهم هالة مقدسة
لاعنين العالم ومتخذين وضعية الضحية
يوهمون أنفسهم أنهم الضحايا لمؤامرة كونية قاهرة
تحيط بهم راغبة بجرهم إلى الدرك الأسفل
وتكسير أسطورتهم العالمية

لا أدري
أهناك داء عالمي منتشر بين البشر؟
داء يتميز بالنذالة والدناءة
داء مسبوغ بالقذارة والدنس
أعتقد أن هناك شيء من هذا القبيل
فمن الجلي أن ثلاثة أرباع من يحيطون به قد أصيبوا بمس منهم

فالعالم يتصرف باستعلاء وهو مكسور الجناح
يتصرف بغرور وهو ذليل
يتعامل بإنفة وهو حقير
يكذب وهو يدرك أن من يسمعه يلمس كذبه
يقص الحكايا والخيال عن بطولات مزورة وانجازات واهمة

أأصيب الجميع بمس من الجنون؟
أم أنني أنا من مسه الجذب؟
لست واثقة

فأنا في النهاية منهم
إلا أن الفرق الوحيد أني أدرك دنسي وأعلمه
بينما هم يكتمونه ويخفونه خلف المزيد من الانحطاط والهوان

انحطاط وهوان لا بلسم يشفيه ولكن علقم يغويه

Y.A.H

السبت، 14 يناير 2017

لمن يهمه الأمر 16

أتعلمين لم حافظت على صمتي حتى اليوم دون كلمة؟
أتدرين لم أطبقت شفتاي دون رد فعل رغم كل أفعالك السالفة وكلماتك المنحطة؟
ألديك أدنى شك بأن صمتي هو تحقير لك وبصقة في وجهك وصفعة في كرامتك الملغاة من الأساس ؟

أنا واثق بأنك تظنينه ضعفا
ولكنه أيتها السفيهة قوة
إنه أيتها العاهرة شكيمة
وهو أيتها الخرقاء رد أرقى من تفكيرك الدنيء

فعندما أصون فاهي أفعل ذلك استحقارا لك
واستهانة بك
ودوسا عليك وعلى من معك

فأنت أقل شأنا من أن أشغل عقلي بأمثالك
وأدنى مرتبة من أن أوجه عيني إلى من على أشكالك
تفكيرك بدائي
عقلك حيواني، ولكن عفاك فحتى الحيوانات أسمى مرتبة منك

وهل تعلمين لم هي لا تجيبك
لأنني أتيت منها ورضعت صدرها
وان كنت أنا لا أتنازل وألقى بنظرة عابرة عليك
فهل تريدين منها وهي الأعلى إن تفعل ذلك ؟؟!!!

والآن هل فهمت أيتها الصماء البكماء
الحمقاء الخرفان
أيتها الدنية والبليدة

أنا أدرك حقيقة أنك لم تفهمي
لماذا
لأنه إن لم تستحي فافعل ما شئت