الجمعة، 22 ديسمبر 2017

خيارات متعددة

تبدأ المعضلة بدربين مقسمين يتشعب كل منهما لمسالك أصغر
المشكلة ليست في أيهما تسلك، إذ انك ترغب بالحصول على كليهما لو قدر لك ذلك.
فأنت تقنع نفسك أن حصولك على كافة هذه الخيارات هو أمر ممكن، بل وعلى العكس ممتع ومثير وطريق مضمون نحو المستقبل المشرق، خلال تلك الدقائق الوردية ستجد نفسك ارتديت حلة سوبر مان وحلت دون أن يكون لقدميك مكان تطأه على الأرض، أجل فهل هنالك ما هو اروع من ترك نفسك عائمة هناك مانعا إياها من تشرب الحقيقة.
 الحقيقة التي ستصفعك بعنف ما أن يتخلص عقلك من تلك النشوة الوهمية، أن تقف لتنظر إلى خياراتك بجدية بعيدا عن الأوهام، فأولا خياراتك تلك ما تزال طائرا محلقا يحوم في البعيد دون أن تنجح حتى في لمسه، أجل انت تبني دربيك المتشعبين على خيالات وأحلام، أليس هذا أسوء ما يمكن أن تبدأ به طريقك؟، في الواقع لا، الأسوء انك تستمر في بناء خياراتك وانت تدرك تلك الحقيقة. 
كل ما تريده هو جرعة مخدرة، هيروئين الاحلام، كوكائين الأوهام، نشوة تعيشها خلايا دماغك برهة حتى تعطيك دفعة لاستقبال الحقيقة القادمة 

السبت، 2 ديسمبر 2017

القانون والبشر، رابطة أم علاقة ؟

-المعذرة؟
خرجت هذه الكلمة باستنكار مشمئز من شفتي علاء وهو مثبت عينيه على محدثه الذي جلس أمامه على تلك الأريكة واضعا قدما فوق الأخرى باستعلاء فيما بدا وجهه الأصفر المشوب بذلك الشعر الأسود الكثيف على وجنتيه وخديه ما زاد من اشمئزاز علاء ونفوره منه، فمنذ أول لحظة شاهده بهذا المظر جالسا يستنشق دخان التبغ الذي ملأ المكتب من علب الانبعاث الصغيرة الخمس التي وضعت فيه مبقيا اثنتين منهما إلى واحساس بالكراهية والنفور يغلي دخل روحه، لم تكن المشكلة شخصية بينهما، فهذه كانت أول مرة يقابله فيها وهي على الأأكيد ستكون آخر مرة، رفع الشاب عينيه الناعستين المستهزئتين واللتين شعتا بعجرفة وصلف لم يكلف نفسه عناء إخفائهما نحو هذا الوافد الجديد عاثرا فيه على ضحية ممتازة لتحطيمها والنيل منها، أخذ نفسا آخر من دخان التبغ قبل أن يستكمل جملته التي توقف عندها
-ألم تسمع ما قلته أيضا؟، حبا بالسماء رشيد كيف يمكنك أن ترافق هذه المخلوقات التافهة
صر علاء على أسنانه بحقد تشربته عروقه وهو يحدجه بنظرات ساخطة فيما أردف هو متجاهلا ابتسامة رشيد المستمتعة وهو يشاهد هذه المقابلة
-لقد سمعتني جيدا، ولست من أولئك الذين يكررون كلامهم للحمقى، فها أنت هنا تتكلم بنشوة النصر وفورة الجهل عما لا تدري منه جيدا، فما الذي أدراك أنت عن حقيقة ما يجري داخل هذه الدولة، من أين يمكن لك أن تعرف شيئا عدا اللغو الذي حشي في رأسك طوال تلك السنوات الغابرة التي تسميها حياة، بل وفوق هذا تأتي مبتسما لتجهر دون خجل أو ورع أنك قد نجحت في تسيير القانون كما تشاء لتحقق أهدافك، شيطان يأخذك، ألا تدرك أنك لست سوى جاهل ينقل ما تلقاه مثل ببغاء لا يدري شيئا، أجل تأتي مبتهجا بفوزك العظيم موهما ذاتك أنك قد حققت نصرا عظيما، وأنت لا تدرك أن الحقيقة هي أنك تسير تماما كما يريد لك غيرك أن تسير، فهذا القانون العبثي الذي تبتهج به وترفع رايته عظيما فوق رأسك ليس سوى أكثر من قيود تحيط بالبشر لتقييدهم وتكبيل حرياتهم، ليس سوى هراء تتناقلونه أنتم معشر المغفلين موهمين أنفسكم أنكم تعملون وفق القانون، وأنتم في الحقيقة لا تفعلون شيئا عدا الرضوخ لسياسات رجال المال الذين لا يهمهم شيء سوى تحقيق مصاحلهم أكان ذلك من خلال استعمال قانونكم الغبي أم من خلال استعمال قوة سياسييكم الجهلة، في كلتا الحالتين يحظون بنصرهم المتوج، بمزيد من النفوذ ومزيد من المال ومزيد من القوة، فيما أنتم أيها السفهاء تأتون متضاحكيم ومتغامزين لأنكم تمكنتم من استعمال القانون، سحقا لكم
وأدار بصره نحو رشيد مستكملا
-يبدو أنك ما تنفك تغرق نحو القاع أكثر وأكثر رشيد، لا أدري بالفعل ما الذي يدفع بك للاستمرار داخل هذه المهنة الوضيعة منغمسا في هذه السخافات التي تسمونها قانون
-أنت يا هذا
منعت جملة علاء الغاضبة رشيد من الكلام ليستدير المتحدث نحوه ملاقيا بعينيه الهازئتين العابثتين عيني علاء الناقمتين الساخطتين قائلا
-ما الذي تريده؟، أما زال لديك شيء لتقوله بعد هذا؟
-شيء لأقوله؟!، أتعبث معي؟، إنك جالس هنا كملك على عرشه تسخر وتعلن كما بدا لك، من أنت حتى تظن أن بإمكانك التحدث بهذه الطريقة عني أو عن مجال عملي؟
وهنا أجابه بتلك النبرة المستعلية
-أنا كامل طواني، كاتب وناقد سياسي ومثقف وأديب
ومتجاهلا حتى تكملة ذلك التقديم تابع الشاب بنبرة حادة غلفتها السخرية اللاذعة
-هذا هو فقط، كاتب سياسي وناقد ومثقف وأديب، فعلا إنك مثال للشخص المبدع الذي تجاوز كل الخطوط، وهل لك أيها الكاتب والناقد السياسي أن تخبرني كيف تعمل داخل  هذه البلد
رمقه الرجل باستهزاء مع هذا السؤال قائلا
-أعمل كما تعمل يا عزيزي
-فعلا، تعمل كما أعمل، وتسير كما أسير، وتقف عندما أقف، وتذهب كما أذهب، وهل تعرف أيها الوقح أن من يدير هذه الأفعال جميعها هو هذا القانون الذي تسبه وتذمه منذ ساعة، لا أدري أيهما أكثر مدعاة للسخرية والاستهزاء، أن أجد شخصا ينتقد فكرة القانون ويهاجمها بكل قوته متهما إياه بالعنصرية وهو عاجز عن فعل أي شيء إلا تحت ظل هذا القانون، أو أن أجد شخصا ينتقد رجال المال وحبهم في السيطرة والقوة في الوقت الذي ورث فيه مال والده
دفعت هذه الكلمات بكامل ليحدجه بحدة لم يزاولها الكبرياء المستعلي فيما أكمل رشيد مبتجها
-بل وفوق هذا كله يا عزيزي علاء، فهو لم يكلف نفسه حتى عناء البحث عن عمل، فقد ظل جالسا لثلاث سنوات دون عمل حابسا نفسه في غرفته ليقرأ الكتب مصرا على اخذ المال مني على أن يتنازل ليبحث عم وظيفة ما، إن هذا الجالس أمامك يستتفه العمل اليدوي في الوقت الذي يدعي فيه أنه نصير للعمال والفلاحين وذوي الطبقات الدنيا، ولكنه لم يتنازل يوما إلى مستوى أن يجرب هذا العمل أصلا لأنه لا يريد أن يعمل، فهو يريد أن يأتيه دخل ثابت دون أن يتحرك من خلف مكتبه أو أن يرفع شيئا عدا كوب القهوة
بدا البرود في عيني الشاب وهو ينظر إلى شقيقه الأكبر الذي هز كتفيه متجاهلا إياه
-حاول أن تنكر حرفا واحدا إن كانت لديك الجرءة
-ولِم أنكر ما هو صحيح يا أخي العزيز؟، إلا أن ما يثير السخرية فعلا هو أن غرٌ كهذا لا يعرف شيئا سوى كتب القانون يأتي ليحاضر فيّ أنا، لقد كان من الأفضل لك أيها الشاب أن تذهب لتقرأ آلاف الكتب قبل أن تأتي لتناقشني في القانون
وثبت عينيه على علاء مستأنفا
-فهذا الذي تتباهى به وتفتخر بانتمائك إليه، ما هو سوى بلاء أرسل علينا لتقييدنا والتحكم بنا وتحقيق أطماع الطبقة الثرية، أو الطبقة العليا كما يطلقون على أنفسهم، أجل هؤلاء هم الذين يضعون القانون، فمن قانون العمل إلى قوانين التأمين إلى قوانين الأرضي والملكيات الخاصة، كل هذه هدفها تكريس واقع تتحكم به النزعة الفردية على البشر وبالتالي تعزز الملكية الفردية والملكية الخاصة وتغلى حفيفة الملكية العامة، ويغدو كل ما هو مهم هو الحصول على المال للشراء والابتياع الفردي، تزداد كمية الأموال المقرضة من البنوك ومؤسسات الاقراض تحت مسميات واهية، كدعم المشاريع الفردية والمشاريع الصغيرة، وكل هذه الأموال تعود مضاعفة لمصاصي الدماء أولئك، تحطم المجتمع وتلغي الروابط المجتمعية التي تملأه لتحل محلها ثقافة الفرد والمال، الأنا والأنا فقط، ولتقويتها فالمال هي الطريق الوحيد ولا يهم ما الطريق الذي تلجؤ إليه، فعليك أن تحصل على المال، وإن لم يكن باستطاعتك الحصول عليه فستقترضه منهم، ولا طريق آخر غير ذلك، لأنك إن حاولت أخذه بالقوة فسيلجأون للقانون الجنائي، أليست السرقة مجرمة في القانون؟، أجل لقد وضعت تحديدا لحمايتهم من السرقة، وضعت كل هذه القوانين كي يحموا أنفسهم في مواجهة الطبقات الفقيرة لا غير، وضعت كي تتمكن امرأة مثل غادة ميغانمي من زيادة نفوذها وتوسيع شركاتها، ويأتي أمثالك من الجهلة في نهاية المطاف ليقول لي بفخر مسرحي القانون، حبا بالجحيم ما الذي تعرفه أنت؟
مع انتهاء كلماته اللاذعة تلك والتي سمعها رشيد مئات المرات دون أن يتعب نفسه ولو حتى مرة واحدة بالرد عليها أو حتى النظر إلى صاحبها، نظر إلى مرافقه الشاب الذي عاد الهدوء إلى ملامحه وشع الحزم في عينيه ليبدأ كلامه
-وما المشكلة؟
أجبر هذا السؤال الاستغراب على اعتلاء وجه رأفت وهو ينظر إليه مستمعا لتتمة الكلام
-القانون وضع ليحمي الطرف الأقوى على حساب الطرف الأضعف، هل لي أن أعرف أين المشكلة في هذه العبارة؟، فمنذ أن خلق القانون ونحن نعرف تماما أنه لم يوضع لتحقيق المصالح، القانون هو مجموعة من القيود التي وضعها الأقوياء على الضعفاء لحماية أنفسهم والسيطرة عليهم، هذه ليست مشكلة ولا فضيحة اكتشفتها أخيرا بعد طول عناء، فطالب سنة أولى في كلية القانون يعرف جيدا أن كل تلك النظريات التي بدأت محاولة  أن تفسر كيف اجتمع الناس منذ فجر البشرية في تجمعات منوعة وشكلوا مجتمعات مختلفة وسنوا القوانين وعينوا المسؤولين عنهم وإلى آخره من تلك الافتراضات، إن الأحمق وحده هو الذي يرى أن القانون وجد لحماية العدل بين البشر ونشر المساواة والسعادة بينهم، حبا بالسماء ما هذا إلا لغو لا فائدة ترجى من ورائه، لقد وضع القانون ليقيد ويعاقب ويحمي، من سيحمي؟ القوي، لا جدال في هذه الحقيقة، لماذا؟ لأنه قوي ومسيطر، لأن البشر منذ القدم خضع الضعفاء منهم للأقوياء، لأنهم منذ الأزل وهم يتجهون نحو التملك وحب المال وحب السيطرة والرغبة في امتلاك كل شيء، لهذا السبب ظهرت المدن، لكي يحمي الفرد منهم ما لديه من غيره، لكي يمنع غيره من الاعتداء على ماله كونه يعرف أن هذا الآخر يريد ما بحوزته، أجل يعيش البشر على نزعة الاستملاك والفردية، ولهذا هم بحاجة لمن يوقفهم عند حدودهم، وإن لم يوقفوا بعضهم بعضا لن تكون العقابة وخيمة، سيقتلون بعضهم بعضا، وسيدمرون ما لدى الآخرين من أملاك، وهذا درس ما زال يتكرر حتى اليوم، فبعد كل تلك السنوات العجاف التي مر بها العالم لم يتعلم البشر حتى انتهى بهم المطاف إلى تحطيم أنفسهم مع نهاية العصور الغابرة، ولكن حتى هذا لم يلقنا الدرس الذي نحتاجه، فنحن حتى اليوم ما نزال نسير في الطريق ذاتها، حب المال وحب التملك، أنني أدرك كل هذه الأمور جيدا ولا أرى فيها أي مشكلة، فالأغنياء لم يأتوا من العدم ولم يهبطوا إلينا من المريخ على طائراتهم الفضائية، فهم بشر مثلك ومثلي تماما، الفرق الوحيد بيننا هو أنهم يمتلكون المال ونحن لا نمتلك، وعندما أقف ممسكا القانون بيدي فأنا أحمي مصلحتي قبل أي شيء آخر، أنا لا أبحث لا عن العدالة ولا عن الحق ولا عن المساواة ولا عن كل هذه الكلمات الرنانة التي تنفع فقط في المؤتمرات والندوات، والتي ثق بأنني لا أتردد في الجهر بها والتمسك بأهذاب فضيلتها إن دعت الحاجة إلى هذا وإن تطلبت مصلحتي فعل ذلك، أما أنت فتنتقد كل هذا وتكره كل هذا وتلعن القانون ومن يعمل به ومن يسير أسفل مظلته في الوقت الذي أنت نفسك واحد من هؤلاء، فهل تجرؤ على تجاهل ما يقوله القانون؟
طرح سؤاله بنبرة ساخرة وهو يرى تلك النظرة الدونية المثبتة عليه بملامح تقزز كارهة ليستكمل
-لا داعي لهذه الملامح المنفرة أيها السيد الناقد والكاتب السياسي، فإن كنت تجرؤ على أن تقطع إشارة المرور عندما تصبح حمراء وإن فعلت وتجرأت على عدم دفع الغرامة للدولة فتعال وقل هذا الكلام لي، إن كنت قادرا على استخراج أوراقك الثبوتية دون أن تتبع جميع التعليمات داخل الوزارة بحذافيرها دون أن تتاهل شرطا واحدا فتقدم وقف أمامي، إن كنت عندما تتعرض لاعتداء لا تذهب إلى الشرطة لتحاسب المعتدي بناءً على قانون العقوبات ذاته فأظهر نفسك، وإن كنت تجهل يا حضرة الكاتب السياسي فأنت تقف أمام مبنى المجلس العالم شاتما ولاعنا ومنتقدا كل من تسول لك نفسك لأن الدستور اعتبر ذلك حقا أساسيا لك لا يمكن انتهاكه، وعندما ينتهكه أحد فهل لك أن تخبرني إلى أين تذهب؟، إنك تذهب إلى المحكمة متمسكا بالدستور والقانون، وبعد هذا كله فهل لي أن أسأل من هو صاحب الشخصية المضطربة والمنفصمة هنا؟
قطب كمال ما بين حاجبيه بشدة زادت من تجاعيد وجهه الشاحب ليقول بنبرة حادة مستعلية
-إن الشيء الوحيد الذي يدفعني للانصياع لهذا القانون الهمجي هو مجموعة العبيد الذي يسيرون خلفه دون أن يرفعوا رؤوسهم ليعترضوا على هذه الحال المزرية
-وأنت واحد من هؤلاء العبيد
-خسئت يا هذا
رمقه الشاب باستنكار لاذع ليتابع هو بترفع
-أتقارنني بأمثالك، أنتم الذين لا تفقهون شيئا عدا ما هو محشو داخل رؤوسكم من الكتب السخيفة فارغة المعنى والمضمون التي تقرأونها
نهض عن الأريكة ناظرا إلى المحامي من علو متابعا بنبرة غلبها الاحتقار
-حتى تتمكن من  الجلوس أمامي ومناقشتي فأنت بحاجة إلى مئة سنة أخرى، فأنت لا تدري شيئا سوى بضع كلمات لا فائدة لها تحصلت عليها من كتب القانون التي تقرأها تلك، كلمات وضعت لتتحكم بكم كقطيع من الأغنام وتسيركم كما شاء الراعي، وقلة هم اولئك الذين خرجوا من هذه الدوامة رافضين الانصياع إليها والسير فيها، وهذه القلة النادرة هي ما لن تستطيع أنت ولا أمثالك من الدخول إليها أو حتى ملامستها
هم علاء بأن يتكلم كابتا رغبة عارمة انتابته لاطباق قبضتيه على رقبته ولكن الشاب تجاهله ونظر إلى شقيقه الأكبر مردفا
-سأراك لاحقا يا رشيد
ومتجاهلا إضافة كلمة أخرى سلك سبيله عبر المكتب ليخرج منه تاركا نظرات علاء القاتلة تلاحقه حتى توارى خلف الباب، ضغط الشاب على قبضتيه بقوة غارسا أظافره داخل لحمه، لقد شاهد الكثير من هذه النوعية في حياته، أولئك الذين يرون أنفسهم مخلصوا العالم، أولئك الذين يحاولون أن يلعبوا أدوارا ليست لهم، أولئك الذين يترفعون عن الجميع ويرون انفسهم في طبقة أعلى من البشر كافة، فرجال الأعمال حثالة بالنسبة لهم يمتصون دم البشر، وأفراد الطبقة المتوسطة هم مجموعة من الأنام التي تسيرها النزعات المنحطة، والطبقة الفقيرة هم المضطهدين المقهورين والضعفاء الذين يحتاجون إلى منقذين لتخليصهم، ورجال السياسة هك مجموعة من الكذبة والخونة وأصحاب المصالح الذين لا يمكن الإيمان بهم، ورجال القانون هم مجموعة من الأفواه الفارغة والعقول المعدومة، ورجال الصحافة لا جدوى منهم فهم يبحثون فقط عن الفضائح دون مهنية ودون شرف، كل من في العالم لا يرقى إلى مستواهم، فهم يرون أنفسهم المخلصين والمنقذين لكل هذه الطبقات، وأفكارهم هي النيرة التي ستقود البشرية إلى النعيم الأبدي، تماما كما قادت أفكار جيلهم السابق البشرية إلى نهاية العصور الغابرة، ابتلع رمقه بحقد ملتفتا إلى رشيد طواني قائلا بسخط
-مع كل الاحترام سيد رشيد، فالمكان الوحيد لأمثال هذا الرجل هو السجن الأبدي إن لم يكن الإعدام
ابتسم رشيد بسخرية مع هذه الجملة التي لم تكن المرة الأولى التي يسمعها بها ليقول
-إنه هكذا منذ دخل الجامعة، لا أدري ما الذي يريده، وهو نفسه لا يعرف ما الذي يريده، فأنا أعرف جيدا أنه مستعد لأن يجلس إلى الأبد في غرفة مغلقة إن أعطيته مصدر دخل ثابت

-يا له من نصير للمضطهدين فعلا.