الاثنين، 26 أكتوبر 2015

لمن يهمه الأمر


لنكن صريحين مع بعضنا البعض
فبغض النظر عن مدى السوء والقبح المتواجد داخل الانسان, لا بد دوما من العثور على شيء جميل, صحيح أن الكثيرين يرددون هذه الكلمات الساذجة التي لا فائدة ترجى من ورائها, ولكن ما يجب التوقف نده ومتابعته بجدية مطلقة, هو أتعتبر فعلا هذه الكلمات حتى مثارً للنقاش؟!.
ما الفرق بين كذب أبيض وكذب أسود؟, إن تكرار هذه الجملة يوما بعد يوم هو أمر شائع الاستعمال, فالكذب أبيض لا يؤذي, والكذب أسود يؤذي, ولكن في النهايو يتبين لنا بوضوح, أننا بتنا أمام كذب رمادي, فما هو هذا؟, مجموعة من الكلمات المنمقة والمزخرفة بالذهب والعاج تخرج من الأفواه بحلاوة العسل محتوية سم الكوبرا, الهدف منها هو السير مع التيار والنتيجة الأكيدة لها هو الغرق داخل ذلك التيار دون أن تكون أمام الانسان فرصة للنجاة.
قد يطرح البعض سؤالا مفاده ما علاقة الكذب الرمادي بالخير والسوء داخل المرء؟
الانسان ليس أكثر من مجموعة من الخلايا اللحمية والدماء الجارية والجلد الذي يبقى كل هذه الكومة بعيدة عن أنظار الآخرين, ولكن الشيء الوحيد المهم هو ما يتواجد داخل تلك الجمجمة المعتلية دماغ الجميع بلا استثناء, وهناك عضوين أساسيين للانسان لاحقهما البشر منذ بدء الخليقة, القلب والعقل
 صراع العقل والقلب, ما بين العقل والقلب, العقل أم القلب!!!!!
لست واثقة ماذا يفترض أن يكون الجواب فعلا, أو ما يفترض بعض السجذ والحمقى من البشر أن يكون, ولكن الاجابة واضحة لا لبس فيها, فهو العقل في نهاية المطاف
إذ ما هو القلب؟, مجرد عضلة تضخ الدم لابقاء الجسد حيا, كغيره من باقي أعضاء الجسد لا مكان ولا دور له سوى الدور الحيوي, آلة لضخ الدم
ولكن في المقابل لنتوقف عند العقل دقيقة واحدة, كل ما تحتاجه في حياتك متواجد داخل هذه الكتلة الصغيرة من الخلايا والأعصاب الملتفة حول بعضها البعض ككرة الصوف بنظام دقيق, قد يبدو التشبيه بسيطا ولكن لنقل أن الفكرة واحدة, فداخل تلك اللفائف والجدائل سترى عالما آخر مختلفا تمام الاختلاف عن كل ما شهدته في حياتك, سترى عالما قد لا تراه ثانية ولو عشت خمس حيوات أخرى مستقبلا, فبين هذه الثنيات ينمو الخير والسوؤ, وبين هذه الثنيات يقرر الانسان أن كذبه قد انتقل من الأبيض للأسود, وعاد من الأسود للأبيض, والتف في النهاية على كليهما محولا ذينك المتناقضين لوحدة واحدة لا ثالث لها.
لا يحاول العقل اجمالا أن يلعب دورا ليس مرسوما له, فإن كنا نريد العودة إلى نقطة الانطلاق الأولى فهو الآخر لا يغدو أكثر من مجموعة من الخلايا الملتفة والمجتمعة, إنه مجرد كابتن يقود سفينته, رئيس يقود دولته, وقائد أوركسترا يحرك عصاته تلك ذات اليمين وذات الشمال مسكتا ذاك ومحدثا ذاك, ولكن من الذي يقود هذا العقل في النهاية؟, فوراء كل كابتن هناك مستشارون, ووراء كل رئيس هناك شعب, ووراء كل قائد هناك مدير, إذن من يقف خلف تلك اللفائف المترابطة؟, هل هناك رئيس خفي لا نعلمه؟, رئيس خفي يحرك كل خلية وكل فكرة وكل غصة وكل ضحكة وكل دمعة وكل ما إلى ما لا نهاية....
بالتأكيد يوجد, ولكن يبقى السؤال أين يختبئ ذلك اللعين؟
أين يوجد ذلك الوغد مديرا كل شيء من مكان سري؟, يعود بعض السذج كالعادة ليقولوا أن هذا الملعون هو القلب نفسه, ولكن يا للغباء!!!, إذ كيف يمكن لجندي أن يعصي الجنرال؟
لذا نعود كرة ثانية لنبحث في مكان أكثر عميقا وأكثر اختفائا عن الأنظار, مكان قد لا يفكر أحد في البحث فيه؟, أهو داخل الصدر؟ لا, أهو داخل العقل؟ لا شك في هذا
كل ما عليك فعله هو أن تغوص أعمق وأعمض, شق طريقك بين كل تلك الاعوجاجات والالتفافات لتصل في النهاية إلى الحقيقة, لكرة لا أول لها ولا آخر, كرة صغيرة لن تعرف ما هي ولو بحثت لآخر يوم في حياتك, إنها فقط موجودة في المنتصف محركة جسدك وعقلك من خلف الكواليس, تمتلك بين أضلعها الشر والقبح والسوء الذي تشكله صورتك الأصلية, تحتوي كل العنف والكذب والخداع الذي تسعى جاهدا لإبقائه بعيدا عن أعين الآخرين مرتديا العباءة البيضاء النقية كملاك هابط من السماء, إنها تحتوي كل الدناءة التي تشكل الخامة الأولى لتكوين البشر.
فصورة ذلك الملاك المحاط بالضياء والملتف بالبياض هي صورة داعبت خيال البشر منذ الأزل, إنهم يحاولون الوصول إلى هذه النقطة مؤكدين أنهم من أتى للاعمار والاصلاح, من أتى لنشر الخير والأمان, من أتى لنثر الورد في الأرجاء
ولكنهم لا يدركون أن هذه الرغبات الكاذبة, والاماني المزعومة, والكلمات الساذجة ما هي سوى محاولة فاشلة للالتفات على الحقيقة التي تختبئ داخل تلك الكرة, إنهم لا يستيطعون الهرب من واقع شربوه مع حليب أمهاتهم, لا يستيطعون التخلص من حقيقة تسري في عروقهم سريان الدماء في تلك الأوردة الدائرية, لا يمكنهم مهما حاولوا أن يتخلصوا من هذا الواقع ولو لعبوا دور ذلك الملاك
بل إنهم يسلكون الطريق الأكثر سوءا, إنهم يحاولون الالتفات على تلك الكرة, يحاولون بكل جهد اخفائها ببراءة والتستر برداء الطهر, ذلك الرداء الذي يستمر بالتبقع بالأسود دقيقة تلو أخرى, لحظة تلو أخرى, مع كل كذبة, مع كل ضربة, مع كل كلمة, وحتى مع كل نفس, حتى يغدو في النهاية بقتامة القطران المنسكب في أعماق الجحيم, ومع هذا يستمرون في ذلك الكذب الرمادي على الجميع, على أنفسهم, على من حولهم, على حقيقتهم, على غيرهم, يعيدون رمي الرداء القديم واخراج واحد جديد ليلوثوه مرة ثانية, ودواليك حتى ينتهون هم أنفسهم عاجزين عن الوصول إلى الاجابة الصادقة
إنهم غير قادرين على تقبل حقيقتهم, ليس من الغريب أن تمارس الكذب بألوانه الثلاثة على غيرك, ولكن ذلك أمر لا يفترض بك أن تفعله على نفسك, فأنت معجون لتنمو سالكا الطريق الأسوء, معجون لتنمو ووجهك شطر الشمال, معجون لتنمو باكيا ومتذمرا ومنافقا ومخادعا وطامعا في كل شيء حتى بما هو ملك لك
حقيقة يحاول الجميع بلا أدنى استثناء أن يخفوها من أمام عيونهم بأي وسيلة, يكذبون على أنفسهم وعير الجميع, يقنعون أنفسهم بأن تلك الكرة غير موجودة, بل وأفظع من هذا يحاولون صبغ لونها بالأبيض, يحاولون تغيير معالمها الخارجية دون ان يفكروا في الدخول لاكتشاف أعماقها, فقط رداء أبيض تلف به الكرة بغية حجبها عن السطر
كذب بكذب بكذب بخداع ومواربة
ماذا قد يكون هناك اكثر من هذا سواد وظلمة, خداع ونفاق, عجرفة وغرور؟, أن تلبس ما ليس لك, أن تظهر ما لست أنت, بل وأفظع من ذلك, أن تتحدث بما لست أنت مستخدما لسان غيرك لتبرير موقف لا يمد لك بصلة حتى لو حاولت زرع نفسك فيه من الداخل
والحقيقة؟
ماذا عن تلك الحقيقة التي تحرك البشر رغم كراهيتهم للاعتراف بها؟, تلك الكرة الطافية هناك دون أي حساب لأحد متجاهلة الجميع بلا استثناء, مدركة في الوقت نفسه حقيقة ما يتم القيام بها, وعالمة بتلك اللعبة القذرة التي تقوم بها أنت وغيرك بلا استثناء
حقيقة ليست أكثر من مجموعة من التفاهات التي تنتقل حولها من هنا إلى هناك, تعلم جيدا تلك الكذبات التي تحاك, وتلك المؤامرات التي تخاط, تعلم كل ذلك وتجلس هناك بكل فخر مبتسمة باستمتاع وضاحكة بفضوح دون خجل أو مواربة
كيف يمكن لومها في الواقع؟, فهي تجلس هناك على عرشها مراقبة مسرحية لا مجال لانكار مدى متعتها, فهي تراقب أشخاص من كل لون وصنف يحاولون إخفاء حقيقة واضحة كشمس تموز منتصف النهار, يحاولون أن يظهروا ملائكة منقاة بأجنحة بيضاء مستعملين كل غطاء ممكن, مستعلمين الدين, مستعملين الحب, مستعملين الطيبة, مستعملين كل شيء لا يمكن استعماله في تحويل وضع سيء لوضع أكثر سوءا وزيادة الطين بلة في مستنقع لا مجال للخروج منه
لنفكر منطقيا, ما الأجميل من متابعة تلك المسرحية سيئة الاخارج والانتاج والتصوير, مسرحية لا شيء فيها يبعث على الرغبة في متابعة مشاهدتها, ولكننا رغم ذلك نشاهدها يوميا مجبرين وكارهين مانعين أنفسنا من التقيؤ اشمئزازً وإنفة من الوقوف في مستوى واحد مع هذه الأنواع العجيبة من البشر
فكذبهم الرمادي غير المتوازن ذاك دفع بالكرة لتستمر في سيطرتها على كل شيء مظهرة حقيقة لا أحد منهم نجح في إخفائها بعد هذه اللحظة
مجموعة من المنافقين الذين لا يهمهم سوى شيء واحد  .هم أنفسهم.
ولكن في النهاية فلا تكمن المشكلة في أن يتصرفوا بهذه الطريقة, ولكن لنكن واضحين, إن الاستمرار في تغطية الكرة  والتصرف بالصورة المعاكسة هو مجرد جريمة
جريمة بحق العالم قبل البشر............



يسرى حسونة

Y.A.H