الاثنين، 30 نوفمبر 2015

لمن يهمه الامر 3 


عندما تنظر إلى التناقض الغريب الذي تعيشه أنت نفسك وسط هذا الكون تقف مترددا أن تنظر أو لا تنظر, أن تقرأ أو لا تقرأ, أن ترفع عينيك أو أن تبقيهما منخفضتين
تعلم جيدا أنك داخلك لست أكثر من قطعة زجاج شفافة ضعيفة ومهزوزة لا يلزمها سوى لكمة واحدة لتغدو ركامً
تعلم جيدا أنك أضعف مما تتخيل
أنك أجبن مما تتخيل
أنك لا شيء مقارنة بما تتخيل 
تضع ما تريده على واجهة لترتعب من مجرد التفكير في أنه قد يكون اللوحة الاخيرة ما يدفعك لتمحيه بثانية واحدة
جبن أم خوف أم كراهية أم عدم ثقة؟ خبث أم نفاق أم عدم اكتراث؟
تضرخ في كل يوم ليسقط العالم, وتلتفت في الثانية التالية مطالبا بالورود, وتعود في المساء محاولا تدارك قطار فات بالركض اللامنطقي خلف ما لا يمكنك اللحاق به ولو تابعت ما تفعله حتى آخر رمق 
تؤكد لنفسك أنك الجبل الجليدي وأنت لست أكثر من نبتة ضارة ضعيفة لا مكان لها في العالم حتى
تحاول أن ترسم لنفسك عالما تقول فيه هذا أنا, ولكن ما تفعله لا يغدو أكثر من هباء لا يستحق حتى النثر 

في النهاية تقف وسط تلك الألواح المحيطة بك من كل ناحية وصوب مراقبا ظلك القذر على الأسطح, سامعا صوتك الحقير في الفراغ, ومشتما رائحتك النتنة في الهواء
تقنع نفسك بذلك لتخسف نظريتك في ثانية واحدة مع دمعة لصراخ لا يدريك كيف يحيي من القبور ما كان يوما هبة بشرية أحيت عوالم ودفنت أخرى في الدرك الأسفل من الجحيم
جحيم لم تنشئه سوى البشرية نفسها مرتكبة بحق نفسها أكبر جرائم البشرية.....................


يسرى حسونة
Y.A.H

الأربعاء، 4 نوفمبر 2015


لمن يهمه الأمر 2


عندما تفتح عينيك خارجا من وسط دافئ ناعم احتضنك طوال أسابيع لم ترغب لحظة واحدة بأن تنهيها تجد نفسك فجأة أمام الصورة المثالية, هي ليست مثالية بقدر ما هي خيالية, وليست خيالية بقدر ما هي وراثية, بل وليست وراثية بقدر ما هي مجازية حتى ينتهي بها المطاف أسطورة تتناقلها الألسن وترنو إليها الآذان دون أن يفهم أحد حقيقة ما يقف أمامه

هي ليست كارثة حديثة العهد, بل هي قديمة قدم الإنسان على هذه الأرض, فمنذ تفجر التاريخ حتى ينتهي بعد سنوات لا يعلمها أحد ستبقى تلك الصورة حافرة لنفسها مكانً بالقوة وحدها في أذهان الجميع, كبار وصغار, رجال ونساء, أطفال وشيوخ, فتيات وفتيان, شبان وشابات

فمنذ أن تولد ستجد نفسك مقسما لقسمين, الأول وردي دافئ ناعم والثاني أزرق مشرق, طالما طرح سؤال مهم لم يجد أعتلى العلماء إجابة له حتى الآن, لماذا الوردي والأزرق؟, لماذا لا يكون الأحمر والأخضر, البني والخمري, النيلي والذهبي, الرمادي والأسود....؟!, بل وأكثر من هذا لماذا لا يكون فقط الأبيض؟, ما المشكلة في لون يناسب الجميع لا يفرق بين هذا وذاك؟, لماذا الوردي والأزرق؟

الوردي والأزرق, ليسا مجرد لونين, أو على الأقل لم يعودا هكذا من سنوات لا أدري فعلا متى بدأت, ولكنها تحولا إلى ظاهر عالمية تدير البشرية بأسرها, الوردي يعني سلوك طريق محرم على الأزرق, والأزرق يعني أنك لا بد أن تبتعد عن الوردي ولكنهام في نهاية المطاف عليهما أن يقتربا ليقفا بجوار بعضهما البعض, بحق الجحيم أي دائرة عجيبة هذه ندور بها, فأ,لا ابتعدا ثم اقتربا ومن ثم ابتعدا وعودا لتقتربا وفي النهاية ستبتعدان, من يمكنه أن يصدق هذا؟!

لا, الأمر لا يتوقف عن كونك وردي أو كونك أزرق, فهذا يحمل العديد من المشاكل لاحقا, فانت وردي مكانك هنا وأنت أزرق مكانك هناك, أنت وردي مكانك في الأسفل وأنت أزرق سترتفع إلى المنطقة العليا, أنت وردي عليك ألا تحاول الخروج من نطاق دائرة مغلقة حتى لو حاولت فتحها وحتى لو حاول المحيطون بك فتحها فلن يفتوحها إلا بأضيق الحدود مانعين إياك من التحرك خطوة واحدة لأنهم لا يريدون كسر النطاق, وأنت أزرق يمكنك أن تفتح الباب على مصراعيه دون حسيب أو رقيب ودون أن يحاول أحد اغلاق الباب أمامك لأنه إن فعل هذا فسيعاكس الصورة المثالية التي لن تسمح أبدا لأحد بكسرها ولا حتى بخدش واحد بسيط, فانت لا تعلم أن خلف كل صورة مصور, ولكن ما لا تعرفه أبدا ان هذا المصور هو مجهول جهالة لا راد فيها ولا حتى لأعتى الخصوم

فهل طرحت يوما سؤالا عما سيحدث لو كسرت تلك الصورة المثالية؟, أو لا دعني أخفض سقف توقعاتي قليلا, أفكرت لحظة بما سيحدث لو خدشت تلك الصورة بخدش واحد بسيط, آوه, إنني بلا شك أرغب بتخيل ذلك المشهد

سيختفي الأزرق والوردي ليحل محلهما الأبيض

فقط الأبيض

أيمكن لأحد تخيل هذا, أو لنقل أنهما لن يختفيا مرة واحدة بتلك السهولة والبساطة لسبب بسيط, فالمصور الذي يقف خلف هذه الصورة لن يسمح للوحته الجذابة بأن تخدش, بل إنه لن يسمح لها بأن تمس, إنه يمتلك جنودا في كل مكان وكل شارع وكل بيت وحارة وكل منزل وكل غرفة وفي كل زاوية, بل إنه يمتلك أسلحة قديمة قدم التاريخ لا يمكن التخلص منها بسهولة, فهي كالمسمار الصدئ مغروسة في الخشب تنخر فيه بغية اتلافه وتقييده وإبقائه تحت السيطرة, وهذه الأسلحة هي ما ستحارب بالقوة كاملة
فهل تظنون أنها سترمي سلاحها ببساطة رافعة الراية البيضاء بدموع الندم والحزن؟

لا لا لا لا, بل هي سترفع السلاح بشراسة صارخة في كل مكان ليسقط اللون الأبيض وليمت هذا الدخيل غيرالمرغوب
إنها تلك الأدوات المطيعة, الأسلحة العمياء, القوة العارمة, التاريخ الذي لا بد له أن يختفي من العالم ليبدأ تاريخ جديد

فمن أجل كسر الصورة المثالية, لا بد من كسر العالم بأكمله

وإلا فإن بقائها هو مجرد جريمة بحق البشرية..................................



يسرى حسونة
Y.A.H


لمن يهمه الأمر 2