الخميس، 21 يناير 2016

لمن يهمه الأمر 5

تسأل نفسك في كثير من الأحيان لماذا لا يمكنك أن تكون طبيعيا؟!
أي أن كل ما يهمك هو أن تستيقظ صباحا, تتاول فطورك, تشرب قهوتك, تغادر للعمل حتى الخامسة, تعود إلى المنزل إلى زوجتك وابنتك وهكذا إلى ما لا نهاية
لا تتعب نفسك بالتفكير فيما سيحدث غدا, ليس لسبب إلا لأنك تعرف أنه لن يختلف عن اليوم اطلاقا
كل ما يهمك هو بيت وعائلة وأسرة صغيرة, وعمل تذهب إليه صباحا وتعود منه مساءً, تحصلعلى راتبك آخر الشهر, تنفقه على أولادك ومنزلك, تذهب للمطعم يوما وللحديقة يوما آخر, لا تفكر في غير محيطك الصغير الذي تدور في فلكه كنجم له مسار معين ومحدد دون أن تحيد عنه قيد أنملة
مجرد حياة عادية ...........................
لا علاقة لك بالعالم, لا تمتلك طموحات كبيرة,  وأحلاما هائلة, ورغبات عارمة
لا تمتلك حبا جارفا للنجومية والشهرة والمكانة المرموقة والاسم اللامع والاهتمام, ولا حتى للرغبة في تحقيق شيء ما مهما كان الثمن كما تردد دوما بشكل فارغ المعنى المضمون
لا تمتلك تلك الأفكار المجنونة التي تدور في عقلك ليل نهار, تارة مؤكدة لك أنك بطل لا يستهان به, وتارة تؤكد لك أنك مجرد فاشل, صفر على منزلة العالم
أفكار سوداء تدور في عقلك طوال الليل والنهار, ما أن تترك ما بيدك حتى تفترس دماغك بنهم شديد
إنها جائعة لوضعك في منزلتك الحقيقية, فماذا أنت غير فاشل لا يمكنه فعل شيء
انطوائي لا يستطيع التقدم نحو الآخرين
جشع لا يريد سوى التهام كل ما حوله مهما كان الثمن
متردد لا يستطيع حتى أن يأخذ المبادرة الأولى كي يحقق ولو شيئا بسيطا
اتكالي يلقي بكل اللوم على من حوله دون أن يفكر أن أساس المشكلة يكمن فيه هو ولا أحد آخر
أنك تريد كل شيء ولكنك لا تريد أن تخسر أي شيء , تريد أن تسيطر وتحقق ما تصبو إليه ولست مستعدا أن تتخلى عن قرش واحد في سبيل ذلك
أليست هذه سخافة؟, فأنت تريد وهو يريد وكلاكما في الوقت ذاته لا يريد, أنت ترغب وهو يرغب وكلاكما في تلك الثانية يكره ويبتعد
فحتى لو قضيت يومك بأكمله تحاول أن تكتشف أنك لست فعلا مجرد صفر لا قيمة له, ستضطر في نهاية المطاف لأن تسلم بهذه الحقيقة الواضحة
فأنت فعلا لست أكثر من مجرد شيء لا قيمة له
تستمر في التفكير, تسهر الليل وتسرح طوال النهار, تقلب الفكرة تلو الفكرة, والرغبة تلو الرغبة, والحلم تلو الحلم, تهدم كل ذاك في ثانية وتبنيه في الثانية التالية, تعود لترتب أحجاره وبحركة واحدة تنسفها دون سابق تردد, تعتقد أن هذه عبقرية ولكنها مجرد عبقرية فاشلة
ففي داخلك يتواجد الطموح و لكنه غير ناضج, محاط بمجموعة من الأوباش الذين لا يقدرونه مساعدين إياه على الانجراف أكثر وأكثر نحو الهاوية البعيدة حيث يريدونه مزخرفا كما يشاؤون دون أن يعلموا أنهم ما هم إلا حثالة البشرية
ولكن لا تغتر بنفسك فأنت أيضا لست أكثر من حثالة, فما تريده هو ملعقة ذهبية في طبق من ذهب على طاولة براقة بلون الشمس المشرق, فلتذهب للجحيم!!, أتظن نفسك في عالم ديزني الذهبي
هم حثالة
وأنت حثالة
هم يمتلكون ولا يريدون أن يقدموا ما يغير صورتهم القذرة, وأنت لا تمتلك ولكنك تريد أن تغير صورتهم القذرة ربما إلى صورة أكثر قذراة
تسهر الليل, وتسرح النهار, وتنام في الوسط, محاولا أن تقنع نفسك بأن تعيش حياة عادية, ولكن لا تتعب نفسك فأنت بكل بساطة لا تستطيع, لقد تجاوزت تلك المرحلة منذ زمن طويل وبتغارقا في شبكةعنكبوتية خانقة لن تسمح لك بالتقدم ولا بالتراجع, تريد نتابعة الركض خلف أحلامك الوهمية الحقيقية ولكنك تريد أن تعود في الوقت نفسه إلى الحياة الأولى راميا بكل شيء خلف ظهرك, ولكن يؤسفني القول أنك قد فقدت فرصتك الوحيدة لفعل ذلك
لقد امتلكت فرصة وأضعتها, والآن أنت غارق حتى أذنيك في هذه النقطة, لا تتقدم ولا تتراجع, قدميك ملتصقتين بالشبكة بانتظار أن تصبح الوجبة الرئيسية
فلم تعد تعرف أصلا ما معنى الحياة العادية
وفي النهاية ترتكب جريمة ضد نفسك تضيفها ببجاحة ووقاحة إلى سلسلة الجرائم ضد البشرية ...................

يسرى حسونة
Y.A.H


الأربعاء، 20 يناير 2016

لمن يهمه الأمر 4

ليست المسافة التي تقطعها من لحظة نزولك من السيارة وحتى تصل إلى منزلك كبيرة
فهي ماذا؟ 200 متر؟ 500 متر؟
هذا حدها الأقصى , ولكن خلالها قد تكتشف الكثير من الأشياء التي تختبئ عن عينيك طوال النهار وأنت تردد لحنا ابتكرته لتوك رغم جهلك التام بالموسيقى
تا نا نا تا نا نا تا نا نا
تا نا نا تا نا نا تا نا نا
تعيد تكراره مرة تلو المرة تلو المرة حتى تنسى الأحرف وتتحرك شفتاك بتلقائية
تدرك خلال تلك الأمتار أنك لا شيء فعلا, كيف؟ أنت حتى لا تعرف هذه الاجابة
فللحظة واحدة تحس بالحماسة تملأ الكون وتجرفك في تيارها دون أن تتمكن من كتم ابتسامة غامرة تملأ شفتيك وتخرجك من الملل القاتل الذي تعيش فيه يوما بيوم
ولكنك في الثانية التالية تمامً تكتشف أنك لا تستيع أن تحقق من تلك الأحلام شيئا
فهناك أمر ناقص, أهو النقود؟, أمر أكيد. فهذا عامل لا أحد يمكنه انكاره ولا تجاهل اهميته ودوره,فصدق من قال فعلا أن من قال أن النقود لا تجب السعادة لم يعرف أين يتسوق
أهو الطموح؟, أكيد. فعندما تحلم وتصحو تجد نفسك في الخانة القاتمة من القائمة, فأنت لا شيء ولا تساوي شيئا في عالم قوامه ستة مليارات روح تعيش هنا وتموت هناك وتولد في مكان لا تعلمه إلا السماء
أهو الأمل؟, لا تجرؤ أن تقول لا. فأنت تحلم كل يوم بأن الغد سيكون أفضل, وأن لا أحد يعرف ما ستحمله أجنحة شمس النهار التالي
إنك تعلم تماما كما أعلم أنا أنه مزيج من هذا كله, في تلك اللحظات وأنت تكرر بهدوء
تا نا نا تا نا نا تا نا نا
تا نا نا تا نا نا تا نا نا
تسير ببطء شديد متمنيا ألا تنتهي تلك الأمتار لتصل إلى ما يسمى المنزل, تصلي في داخلك أن تتحول ال200 متر إلى مئتي ألف, وأن تتابع السير, وأن تتابع التفكير, وأن تتابع الأمل, وأنت تتابع الحلم, وألا تصل إلى أي مكان في نهاية المطاف
تا نا نا تا نا نا تا نا نا
تا نا نا تا نا نا تا نا نا
مع الصمت الذي يلفك من كل ناحية عدا صوت بوق شاحنة مزعج من الأكيد أن سائقها يسير بتهور كما هي العادة, أو من صراخ مجموعة من الأطفال المزعجين يلقون الحجارة في برك المياه التي شكلتها أمطار الليلة الماضية دافعين بالرذاذ القذر ليملأ السيارات التي يحاول أصحابها تفادي هذه الحركة المفاجئة وهو يلعنون بلا شك هؤلاء الشياطين ومن أنجبهم
تسير ببطء متثاقل مرددا مرة تلو المرة ذلك النغم الخفيف
مصليا ألا تنتهي الطريق
فما الذي هناك كي تصل إليه؟, مجرد أربعة جدران ومنزل لا شيء فيه عدا الآخرين
ولكنك رغم هذا تعرف جيدا أنك لا تعني شيئا حتى هناك
فمن أنت؟ لا أحد
وماذا تفعل؟ لا شيء
وماذا تأمل؟ كل شيء
وماذا يمكنك أن تحقق, إن هذا السؤال أكثر صعوبة من أي شيء آخر قد يتبادر إلى ذهنك
ولكن ربما ببساطة عميقة لا شيء
حتى تصل في النهاية إلى أن طريقك قد يكون مسدود, أو بالأحرى مغلق بحاجز لا يمكن للشيطان بذاته أن يحركه من هناك
كيف وجدت هذا كله؟
إنها مجرد 200 متر أو ربما 500 متر, وهي تستغرق بحدها الأقصى عشر دقائق, يا سيدي قبل خمس عشرة دقيقة
ولكنها تأتي باللهب الأسود القاتم من الأسفل وتمزج الجنة بالجحيم مخرجة ما لا يعلمه أحد
أتلك حقيقة؟ أم أنها في نهاية المطاف مجرد جريمة بحقك قبل البشرية؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟


يسرى حسونة
Y.A.H




الأربعاء، 6 يناير 2016

مجرد همسة

مجرد همسة...

لم تكن سوى مجرد كلماتها
لم تكن سوى مجرد همساتها
لم تكن سوى مجرد أفكارها
بل لم تكن سوى مجرد أوهامها

لقد كانت فكرة تلتها فكرة تلتها فكرة وختمتها حفرة
ثلاثة أمتار ترتفع نحو السماء
بثلاثة أمتار تقود إلى عالم جديد لم يعلم له بعد باب
مجرد ثلاثة امتار رسمت امامها لوحة مشرقة لعالم لم يكن يبدو أن له هذا السوء الذي خيلته كتب السماء

لم ترغب سوى بواحد
لم ترغب سوى بعدد فردي لا ثاني له
لم ترغب سوى بأن تكون صفرا إلى جواره لتجعل منه العلامة الكاملة
كل ما رغبت به أن تمتلك في جوارها واحدا يقود طريقها إلى عالم آخر مختلف
عالم لم يعد له اليوم أي وجود سوى في أذهان الأذهان بعيدا عن واقع الأحلام

عشق لا, حب لا, رفقة لا, زمالة لا, بل صداقة لا
فالعشق مرض والدواء مشؤوم
والحب داء لا يداويه سوى الاستلقاء دون حركة على برودة الرخام
زمالة تبدو من البعيد كقشة في مهب الريح لا يمكنها حتى أن تصمد لتثبت جذورها في العميق
وصداقة محيت بقلم الحبر القاتم كي لا تحاول حتى أن تخرج من أسفل ذلك الغطاء المريع
إنه واحد
عدد فردي لم يجد له حتى اليوم رفيق

ليس اثنان ولا ثلاثة ولا أربعة
إنه واحد
واحد يمكنه ان يرسم الدنيا بالأزرق المحمر
واحد يمكنه أن يقلب الدمع لضحكة بلون البحر
واحد يمكنه أن ينطق من أسف الجحيم بكلمة تذيب عشق الدم

واحد يمكنه أن يعيدها من أسفل الأرض

الملكية ودعوى منع المعارضة