الأربعاء، 20 يناير 2016

لمن يهمه الأمر 4

ليست المسافة التي تقطعها من لحظة نزولك من السيارة وحتى تصل إلى منزلك كبيرة
فهي ماذا؟ 200 متر؟ 500 متر؟
هذا حدها الأقصى , ولكن خلالها قد تكتشف الكثير من الأشياء التي تختبئ عن عينيك طوال النهار وأنت تردد لحنا ابتكرته لتوك رغم جهلك التام بالموسيقى
تا نا نا تا نا نا تا نا نا
تا نا نا تا نا نا تا نا نا
تعيد تكراره مرة تلو المرة تلو المرة حتى تنسى الأحرف وتتحرك شفتاك بتلقائية
تدرك خلال تلك الأمتار أنك لا شيء فعلا, كيف؟ أنت حتى لا تعرف هذه الاجابة
فللحظة واحدة تحس بالحماسة تملأ الكون وتجرفك في تيارها دون أن تتمكن من كتم ابتسامة غامرة تملأ شفتيك وتخرجك من الملل القاتل الذي تعيش فيه يوما بيوم
ولكنك في الثانية التالية تمامً تكتشف أنك لا تستيع أن تحقق من تلك الأحلام شيئا
فهناك أمر ناقص, أهو النقود؟, أمر أكيد. فهذا عامل لا أحد يمكنه انكاره ولا تجاهل اهميته ودوره,فصدق من قال فعلا أن من قال أن النقود لا تجب السعادة لم يعرف أين يتسوق
أهو الطموح؟, أكيد. فعندما تحلم وتصحو تجد نفسك في الخانة القاتمة من القائمة, فأنت لا شيء ولا تساوي شيئا في عالم قوامه ستة مليارات روح تعيش هنا وتموت هناك وتولد في مكان لا تعلمه إلا السماء
أهو الأمل؟, لا تجرؤ أن تقول لا. فأنت تحلم كل يوم بأن الغد سيكون أفضل, وأن لا أحد يعرف ما ستحمله أجنحة شمس النهار التالي
إنك تعلم تماما كما أعلم أنا أنه مزيج من هذا كله, في تلك اللحظات وأنت تكرر بهدوء
تا نا نا تا نا نا تا نا نا
تا نا نا تا نا نا تا نا نا
تسير ببطء شديد متمنيا ألا تنتهي تلك الأمتار لتصل إلى ما يسمى المنزل, تصلي في داخلك أن تتحول ال200 متر إلى مئتي ألف, وأن تتابع السير, وأن تتابع التفكير, وأن تتابع الأمل, وأنت تتابع الحلم, وألا تصل إلى أي مكان في نهاية المطاف
تا نا نا تا نا نا تا نا نا
تا نا نا تا نا نا تا نا نا
مع الصمت الذي يلفك من كل ناحية عدا صوت بوق شاحنة مزعج من الأكيد أن سائقها يسير بتهور كما هي العادة, أو من صراخ مجموعة من الأطفال المزعجين يلقون الحجارة في برك المياه التي شكلتها أمطار الليلة الماضية دافعين بالرذاذ القذر ليملأ السيارات التي يحاول أصحابها تفادي هذه الحركة المفاجئة وهو يلعنون بلا شك هؤلاء الشياطين ومن أنجبهم
تسير ببطء متثاقل مرددا مرة تلو المرة ذلك النغم الخفيف
مصليا ألا تنتهي الطريق
فما الذي هناك كي تصل إليه؟, مجرد أربعة جدران ومنزل لا شيء فيه عدا الآخرين
ولكنك رغم هذا تعرف جيدا أنك لا تعني شيئا حتى هناك
فمن أنت؟ لا أحد
وماذا تفعل؟ لا شيء
وماذا تأمل؟ كل شيء
وماذا يمكنك أن تحقق, إن هذا السؤال أكثر صعوبة من أي شيء آخر قد يتبادر إلى ذهنك
ولكن ربما ببساطة عميقة لا شيء
حتى تصل في النهاية إلى أن طريقك قد يكون مسدود, أو بالأحرى مغلق بحاجز لا يمكن للشيطان بذاته أن يحركه من هناك
كيف وجدت هذا كله؟
إنها مجرد 200 متر أو ربما 500 متر, وهي تستغرق بحدها الأقصى عشر دقائق, يا سيدي قبل خمس عشرة دقيقة
ولكنها تأتي باللهب الأسود القاتم من الأسفل وتمزج الجنة بالجحيم مخرجة ما لا يعلمه أحد
أتلك حقيقة؟ أم أنها في نهاية المطاف مجرد جريمة بحقك قبل البشرية؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟


يسرى حسونة
Y.A.H




هناك تعليقان (2):

  1. و الله كلامك صحيح ، القيتي الكثير عن كاهلي ،، ادركت الان اني لست وحدي يشعر بهذا ، فكل الناس مثلي ،،

    ردحذف
  2. مع الاحترام يا صديقي

    ردحذف