الثلاثاء، 8 مارس 2016

لمن يهمه الأمر 6




لمن يهمه الأمر 6



من المتعب جدا أن تفكر في الموضوع من زاويتين مختلفتين, زاويتين اثنتين تتباعد المسافة بينهما كما المسافة بين الجحيم والنعيم
أن تجد نفسك فجأة في عقل اثنين مختلفين متضادين يقف كل منهما إزاء الآخر موقف العدو في الوقت الذي كان يفترض فيه أن يكون موقفهما هو موقف الحامي والممتن
فالطرف الأول يجد الثاني فاسدا منحطا ووغدا حقيرا بل وفوق ذلك عدوا رغم أنه قد يكون شقيقه
فهو وإن خالف القواعد إلا أنه لم يكن وحده من فعل ذلك, فهناك الكثيرون غيره الذين قاموا بالمخالفة نفسها بالوقت نفسه في المكان نفسه بحضور الثاني نفسه, ولكنه هو الوحيد الذي تعرض للعقوبة في ساعات الصباح الأولى التي تقبل الشمس فيها الأرض بابتسامة
ما كان له ليعترض لو أنه عومل بنفس معاملة الجميع, ولكن أن يعاقب هو ويترك الباقين ليغادروا أحرارا طائرين فهذه قمة الفساد له
فالثاني لا يستعرض عضلاته المفتولة الضامرة إلا على أمثاله من المنكوبين مستغلا بذته الزرقاء وكتافيتيه الملمعتين حديثا وقبعته التي استقرت فوق صلعته المضيئة, إنه يعاقب هذا او ذاك وفقا لمزاجه الصباحي, فإن تقاتل مع زوجته قبل خروجه من السرير او صرخ على أولاده قبل ذهابهم للروضة فإنه سيعاقب العموميين متجاهلا أن هناك من يقوم بمخالفاتهم نفسها, بل إنه يتركهم ليركضوا دون أن يخطر بباله حتى إيقافهم رغم أنه قد أوقف الأول وصرخ في وجهه وعاقبه وقلب نهاره إلى سواد مظلم
إنه فاسد لأنه يعاقب هذا ويترك ذاك, إنه فاسد لأنه يوكل مزاجه بدل القانون, إنه فاسد لأنه يضع العقوبات دون حسيب أو رقيب, لا عقله ولا ضميره ولا حتى حذائه!!!
إنه فاسد ومنحط  أخلاقيا لأنه يعلم تمام أنه يقوم بهذه الأعمال وهو يعلم أنها مجرد فساد متفشٍ كالسرطان فيه
برأيي إنه فاسد ومنحط لأنه يعلم أنه فاسد ومنحط ولكنه رغم ذلك يتصرف كفاسد ومنحط
ماذا عن رأي الثاني نفسه؟, قلت أن من الصعوبة بمكان أن تضع نفسك في عقل اثنين مفكرا فيما يحدث بعقل اثنين بدلا من واحد
فبالنسبة له ما قام به الأول هو خرق للقانون, هو انتهاك للنظام, هو عمل قد يترتب عليه كوارث ومصائب خطرة على حياة الأول وحياة من حوله
لأكون صريحة إنه فعلا على حق, فما عوقب عليه هو أمر لا يمكن السكوت عليه, بل إنني واثقة انني لن أتردد في معقابته بأضعاف مضاعفة لما قام هو به
إنه يقوم بهذا لأنه عمله, لأنه قد رأى هذا ولكنه لم يرى أولئك يخالفون كما يدعي
ولكن ماذا بين هذا وذلك؟
كيف يمكن التوفيق بين الأول والثاني؟
ما الممكن عمله ليتم التوفيق بينهما وإيقاف العداوة ما بينهما؟, بل ما المطلوب أن يتم عمله كي تعود العلاقة الطبيعية بينهما كما يتوجب عليها ان تكون
الأول هو المعطي والثاني هو المقدم
الأول هو المحمي والثاني هو الحامي
الأول يهب والثاني يتبرع
الأول هو الوطني والثاني هو الوطن

الأول والثاني هما واحد فأنا قد أكون اليوم الأول وغدا الثاني, وما أدراك قد تكون هذه العداوة المستمرة هي جريمة بحق الوطن قبل أن تكون جريمة بحق البشرية ...............

يسرى حسونة
Y.A.H

هناك تعليقان (2):

  1. ااعترف لك اعترافا ؟ كثيرا ما اشعر ان ما تكتبين اكبر من قدرتي على فهمه احيانا ، فاضطر اعيد قرائة الشيء مرات و مرات ، لكن الحقيقة انني اشعر بمتعة كبيرة وانا اقراء ما تكتبين و متعة اكبر حين اعيد القرائة ، و متعة اكبر و اكبر حين افهمه ،، تشبهين العقاد في صعوبته ، يبدو انك مثله لا تكتبين الا للاذكياء ،،

    ردحذف
    الردود
    1. تحياتي عزيزي ويشرفني سماع هذه الكلمات

      حذف